مقال

الدكروري يكتب عن الإمام العز إبن عبد السلام ” جزء 4″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام العز إبن عبد السلام ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الرابع مع الإمام العز إبن عبد السلام، أما رحلته إلى بغداد، فقد ذكرت المصادر التي ترجمت له أنه ازداد شغفا بالعلم وتحصيله، ورحل في ريعان شبابه إلى بغداد، حاضرة الخلافة العباسية، وموئل العلم والعلماء، ومقصد الطلاب من كافة الأقطار، وعاصمة الثروة العلمية والمكتبات الزاخرة، فقصدها العز سنة خمسمائة وسبع وتسعين من الهجرة، وأخذ بعض العلوم والمعارف، وأقام بها أشهرا فقط، فسمع الحديث من أبي حفص بن طبرزد، وحنبل بن عبد الله الرصافي، وقال ابن رافع السلامي وسمعت بعض المحدثين يقول إنه دخل بغداد في طلب العلم، فوافق يوم دخوله موت الحافظ أبي الفرج بن الجوزي، وكان ذلك في سنة خمسمائة وسبع وتسعين من الهجرة، وبعد أن نال العز مبتغاه وحصّل مقصده في بغداد، عاد إلى دمشق.

 

وأما عن محنته مع الملك الأشرف موسى، فتمثل هذه القضية أول مواقف العز بن عبد السلام بدمشق، وصدامه مع الملك الأشرف موسى الأيوبي، وكان العز قد ذاع صيته واشتهر علمه، وظهرت شخصيته في الحياة العلمية وعلى المستوى الرسمي والشعبي، وكان العز على مذهب الإمام أبي الحسن الأشعري من أهل السنة والجماعة في العقيدة وصفات الله تعالى، ومنها صفة الكلام، ويقول إن كلام الله تعالى معنى قائم بذاته، قديم أزلي، وليس بحرف ولا صوت، خلافا لبعض الحنابلة، وكان الملك الأشرف يميل إلى الحنابلة ويستمع إليهم، فاستغلوا ذلك وأوغروا صدره على العز، فوقعت الواقعة، وأحداث الفتنة طويلة، خلاصتها ما نقله محمد الزحيلي عن عبد اللطيف بن العز بن عبد السلام لما وصل إلى الملك الأشرف ما عليه الشيخ عز الدين من القيام لله والعلم والدين.

 

أحبّه وصار يلهج بذكره، ويؤثر الاجتماع به، والشيخ لا يجيب إلى الاجتماع، وكانت طائفة من الحنابلة القائلين بالحرف والصوت، ممن صحبهم السلطان في صغره، يكرهون الشيخ عز الدين، ويطعنون فيه، فلما أخذ السلطان في الميل إلى الشيخ عز الدين دسّت هذه الطائفة إليه، وقالوا إنه أشعري العقيدة، يُخطئ من يعتقد الحرف والصوت ويبدعه، أي أنه مبتدع من قال ذلك فاستهال ذلك السلطان واستعظمه، ونسبهم إلى التعصب عليه، فكتبوا فتيا في مسألة الكلام، وأوصلوها إلى مريدين أن يكتب عليها، فيسقط موضعه عند السلطان، وكان الشيخ العز قد وصله كل ذلك، فلما جاءته الفتيا قال هذه الفتيا كتبت امتحانا لي، والله لا كتبت فيها إلا الحق، فكتب العقيدة المشهورة، ومما جاء فيها واعتقاد الأشعري رحمه الله مشتمل على ما دلت عليه أسماء الله التسعة والتسعون.

 

التي سمّى الله بها نفسه في كتابه وسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم فإن زعموا أن القرآن مكتوب في المصحف غير حال فيه، كما يقول الأشعري، فلماذا يطعنون الأشعري رحمه الله؟ فلما فرغ من كتابة ما رامُوه رماه إليهم، وهو يضحك عليهم، فطاروا بالجواب، وهم يعتقدون أن الحصول على ذلك من الفرص العظيمة التي ظفروا بها، ويقطعون بهلاكه واستئصاله واستباحة دمه وماله، فأوصلوا الفتيا إلى الملك الأشرف رحمه الله، وذلك في حفلة الإفطار في رمضان بالقلعة، وعنده عامة الفقهاء من جميع الأقطار، فلما وقف عليها استشاط غضبا، وقال صح عندي ما قالوه عنه، وهذا رجل كنا نعتقد أنه مُتوحد في زمانه في العلم والدين، فظهر بعد الاختبار أنه من الفجّار، لا بل من الكفار، ولم يستطع أحد أن يرد عليه، وقال أقواهم شكيمة السلطان.

 

أولى بالعفو والصفح، ولا سيّما في مثل هذا الشهر، وانتشر الخبر في البلد، واشتغل الناس بما جرى، حتى أقام الحق الشيخ جمال الدين أبو عمرو بن الحاجب، ومضى إلى القضاة والعلماء الأعيان الذين حضروا عند السلطان، وشدد عليهم النكير، وطلب منهم أن يبينوا للسلطان أن كلام الشيخ العز مذهبهم، وهو مذهب أهل الحق، فكتبوا فتيا بموافقة العز، وطلبوا أن يُعقد مجلس مناظرة بين العز وخصومه، ويحضر أهل المذاهب الأربعة، وأن العلماء لم يمكنهم الكلام بمجلس السلطان لغضبه وما ظهر من حدته في ذلك المجلس، وقالوا للسلطان الذي نعتقده في السلطان أنه إذا ظهر له الحق يرجع إليه، وأنه يعاقب من موّه الباطل عليه، ولما وصل الأمر للسلطان تراجع عن بعض موقفه واعتدل قليلا، ورفض الاجتماع مع الشيخ العز، وكتب له رسالة يدافع فيها عن عقيدته.

 

باتباع الخلفاء الراشدين، ويلمز بالشيخ العز في إثارة الفتنة، وادعاء الاجتهاد لمذهب خامس في العقيدة، ولما وصلت الرسالة للشيخ العز قرأها وطواها، وشرع بالجواب بأشد منها، وأبلغ من سابقتها، ومما جاء فيها وأما طلب المجلس وجمع العلماء، فما حملني عليه إلا النصح للسلطان وعامة المسلمين، وليس رد البدع وإبطالها من باب إثارة الفتن، فإن الله سبحانه أمر العلماء بذلك، وأمرهم ببيان ما علموه، ومن امتثل أمر الله ونصر دين الله، لا يجوز أن يلعنه رسول الله صلي الله عليه وسلم وأما ما ذكر من أمر الاجتهاد والمذهب الخامس، فأصول الدين ليس فيها مذاهب، فإن الأصل واحد، والخلاف في الفروع، وبعد ذلك فإنا نزعم أنا من جُملة حزب الله، وأنصار دينه وجنده، وكل جندي لا يُخاطر بنفسه فليس بجندي، ولما عاد الرسول إلى السلطان، وقرأ الرسالة، اشتدت استشاطته، وعظم غضبه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى