مقال

الدكروري يكتب عن الإمام العز إبن عبد السلام ” جزء 11″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام العز إبن عبد السلام ” جزء 11″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الحادي عشر مع الإمام العز إبن عبد السلام، وقال حاشية الملك له اعزله عن الخطابة، وإلا شنع عليك على المنبر كما فعل في دمشق، فاستغل السلطان هذه المناسبة وعزله عن الخطابة دون الإساءة إليه، وكلفه بالتدريس، وكما كانت من أعماله هي السفارة، حيث نص عبد اللطيف بن العز بن عبد السلام في الرسالة التي كتبها عن والده أن الملك الكامل محمدا، سلطان الديار المصرية، لمّا قدم دمشق وحكمها، واستلم السلطة فيها أوائل جمادى الأولى سنة ستمائة وخمس وثلاثين من الهجرة، ولى الشيخ العز عدة مناصب وولايات، ثم عيّنه للرسالة إلى الخلافة المعظمة ببغداد، ثم اختلسته أي الملك الكامل المنيّة، ولم يثبت في المراجع قيام العز بهذه السفارة، ومهما كان الأمر فالخبر صحيح في التعيين بالسفارة، وسواء نفذ أم لم ينفذ.

 

فإنه يدل على المكانة المرموقة التي كان العز يحظى بها، والرضا الواضح من الملك الكامل به والثقة فيه، وكان الملك الكامل محمد شديد الإعجاب بالعز بن عبد السلام، فقد سمع به في مصر، وكان شديد الثقة بعلمه ونزاهته وكفاءته، وكان يوافقه في المذهب الشافعي في الفقه والمذهب الأشعري في العقيدة، فلما وصل الملك الكامل من الديار المصرية إلى دمشق، وأقر له الملك الصالح إسماعيل بالسلطة والسيادة في أوائل جمادى الأولى سنة ستمائة وخمس وثلاثين للهجرة، ولى الشيخ العز تدريس زاوية الغزالي بجامع دمشق، ثم ولاه قضاء دمشق، بعد ما اشترط عليه الشيخ شروطا كثيرة لقبول القضاء، ودخل في شروطه، ثم عيّنه للرسالة إلى الخلافة المعظمة ببغداد، ولكن الملك الكامل مات بعد شهرين ونيف من ملكه بدمشق، واستلم الملك الصالح إسماعيل.

 

دمشق من جديد، ولم ينفذ تعيين العز في القضاء بعد ذلك، وكما كان من أعماله هو قاضي القضاة، حيث أن قاضي القضاة هو أحد المناصب الجليلة التي ظهرت في الخلافة الإسلامية، ومهمته تعيين القضاة والإشراف عليهم ومراقبة أعمالهم والاطلاع على الأحكام التي يصدرونها لبيان مدى موافقتها للشرع لتصديقها وإقرارها، فإن خالفت الشرع نقضها قاضي القضاة وردها إلى القاضي الذي أصدرها لتصحيحها، كما يقوم قاضي القضاة بعزل القضاة إن اقتضى الأمر، وقد عين السلطان الصالح أيوب العز بن عبد السلام على قضاء مصر وهي الفسطاط والوجه القبلي الصعيد، وأبقى القاضي السنجاري على قضاء القاهرة والوجه البحري، لأن الإدارة القضائية في كل من هذه المناطق الأربعة مستقلة، فقسمها السلطان بين اثنين، وعُرف العز بن عبد السلام.

 

في كتب التراجم والتاريخ بقاضي القضاة، وكان العز بن عبد السلام جريئا يعلن الحكم ولو كان على السلطان والأمراء، ويبين الحكم الشرعي عند لزومه دون أن يخشى بطش جبار أو متسلط، ويصر على التطبيق والالتزام والتنفيذ، لذلك وصفه الأديب أبو الحسين يحيى بن عبد العزيز الجزار كأنه الخليفة عمر بن عبد العزيز، وقال العز مبينا الغرض والهدف من وجود القضاء ونصب القضاة قائلا الغرض من نصب القضاة هو إنصاف المظلومين من الظالمين، وتوفير الحقوق على المستحقين، والنظر لمن يتعذر نظره لنفسه كالصبيان والمجانين والمبذرين والغائبين، فلذلك كان سلوك أقرب الطرق في القضاء واجبا على الفور لما فيه من إيصال الحقوق إلى المستحقين ودرء المفسدة عن الظالمين والمبطلين، وقد تقدم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان على الفور.

 

وأحد الخصمين ههنا ظالم أو مبطل وتجب إزالة الظلم والباطل على الفور وإن لم يكن آثما بجهله لأن الغرض إنما هو دفع المفاسد سواء كان مرتكبا آثما أو غير آثم، وأما عن تركه للقضاء، فإنه لم يطلب العز بن عبد السلام القضاء وقوفا عند قول جمهور الفقهاء من كراهة طلب القضاء، ولكن الملوك هم من بادروا إلى تعيينه في القضاء وقضاء القضاء، فقبله مع أنه كان متبرما منه ومتحرجا من الانغماس فيه، ويدرك مخاطره ومتاعبه وعواقبه، ولم يقبله إلا على مضض، وقد جاءه أحد أصحابه فلامه وعاتبه على قبوله القضاء، فأعلن العز عن رأيه وأن ذلك حكم الله وقدره، وأنه لم يطلب إلا رضاء الله فيه، وكان العز بن عبد السلام صارما في تطبيق الأحكام والتسوية بين الناس، ولا يرضى عن الحق والشرع بديلا ولو قيد شعرة، ومهما كان الأمر جسيما وخطيرا.

 

ومحرجا ولو للسلطان وأمرائه وأعوانه، وكانت هذه الصورة سببا في تعب القاضي العز وعرضته للخطر والتهديد والعزل والحبس، فكان يبادر غالبا لعزل نفسه لتأييد حكمه وقوله ورأيه، وذلك في ثلاث مرات، فكانت الأولى لما عينه الملك الكامل قاضيا في دمشق ثم مات بعد وقت قصير، فوجد الملك إسماعيل الفرصة مواتية لعزل العز من القضاء، والثانية كانت في مصر، ولم ينص أحد المترجمين على السبب فيها، والغالب أنها كانت بعد قرار العز ببيع الأمراء المماليك، والثالثة كانت في مصر أيضا، وكانت بعد هدم الطبلخانة فوق المسجد وإسقاط عدالة معين الدين بن شيخ الشيوخ أستاذ دار السلطان، فهدم العز البناء بنفسه وحكم بفسق الوزير وأسقط شهادته، وعزل نفسه عن القضاء، وذلك سنة ستمائة وأربعين من الهجرة، ولم يعد بعدها للقضاء الذي كان يتحين الفرص للخلاص منه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى