مقال

الدكروري يكتب عن الإمام تقي الدين السبكي ” جزء 1″

الدكروري يكتب عن الإمام تقي الدين السبكي ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الإمام تقي الدين السبكي هو الفقيه الشافعي الصوفي المحدث الحافظ المفسر المقرئ الأصولي المتكلم النحوي اللغوي الأديب الحكيم المنطقي الجدلي الخلافي النظار، يلقب بشيخ الإسلام وقاضي القضاة، وهو والد الفقيه تاج الدين السبكي، وهو أبو الحسن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن مسوار بن سوار ابن سليم السبكي، الخزرجي، الأنصاري، وكان الإمام تقي الدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي جميل الصورة، بهي الطلعة، عليه جلال ووقار، ومهابة وافرة، وقال عنه تلميذه الصفدي، فم بسام، ووجه بين الجمال والجلال قسّام، وقال ابن فضل الله عنه “جبين كالهلال، ووقار عليه سيما الجلال” وكان من الدين والتقوى والورع والعبادة وسلوك سبيل الأقدمين على قدم عظيمة، مع غاية الكرم والسخاء والحلم.

 

فلم ينتقم لنفسه قط، بل يصفح ويعفو، شديد الحياء متواضعا، في غاية الإنصاف والرجوع إلى الحق في المباحث ولو على لسان أحد المستفيدين منه، ولم يسمع يغتاب أحدا قط، من الأعداء ولا من غيرهم، وكان زاهدا في الدنيا لا يستكثر على أحد منها شيئا مقبلا بكليته على الآخرة، قليل الطعام والمنام، زهيد الملبس، مُعرضا عن الخلق، متوجها إلى الحق، دائم التلاوة والذكر والتهجّد، كثير المراقبة لدخائل النفس، منتصرا للحق لا يحابي فيه أحدا، وقد لقي بسبب ذلك شدائد كثيرة، وكان كثير المحبة للصالحين والأولياء، متأدبا مع العلماء، المتقدمين منهم والمتأخرى ن، كثير التعظيم للصوفية والمحبة لهم، وولد الشيخ تقي الدين السبكي في غرة صفر سنة ستمائة وثلاث وثمانين من الهجرة، الموافق الثامن عشر من شهر إبريل الموافق ألف ومائتان وأربعة وثمانين للميلاد، في قرية سبك الأحد.

 

أو قيل سبك العبيد وهي إحدى قرى محافظة المنوفية، وتعلم في صغره على والده الذي هيأ له الجو المناسب لتحصيل العلم وانتقل مع أبيه إلى القاهرة حيث تتلمذ على عدد من أعيان عصره، وعلى رأسهم أبوه الشيخ عبد الكافي السبكي، وكان من نواب شيخ الإسلام ابن دقيق العيد في القضاء، وقد اعتنى به كثيرا ليتفرغ لطلب العلم، حتى صار من أعلام الشافعية وعلمائها المعدودين، وجلس للتدريس في مصر والشام، ولقب بآخر المجتهدين، وقد اشتهر بقوة الذاكرة وسعة الحافظة حتى أنه كان يحفظ كل ما يطالعه ولا ينساه، حتى صار أعجوبة عصره، وكان كثير التعظيم للصوفية والمحبة لهم، فيقول طريق الصوفي إذا صحت هي طريقة الرشاد التي كان السلف عليها، وقد نال حظوة كبيرة عند الناصر محمد بن قلاوون وكبار رجال الدولة المملوكية المعاصرين حتى جرى في مصالح الناس.

 

وقد عرف عن الشيخ تقشفه في شتى جوانب الحياة، وقد تولى عددا من الوظائف في مصر مثل التدريس في المدرسة المنصورية والهكارية وجامع الحاكم وخطب في جامع أحمد بن طولون، ثم سافر ليتولى القضاء بدمشق عام سبعمائة وتسع وثلاثين من الهجرة، بعد إلحاح من الناصر محمد بن قلاوون، وقد ضرب أروع الأمثلة في ولايته على هذه الوظيفة للحيدة والنزاهة والتمسك بالحق، وكف الظلم حتى قال عنه صلاح الدين بن أيبك الصفدي “باشر قضاءها بصلف زائد وسلوك ما حال عن جادة الحق ولا حاد، منزه النفس عن الحطام منقادا إلى الزهد الصادق بخطام، مقبلا على شأنه في العمل، منصرفا إلى تحصيل السعادة الأبدية فماله في غيرها أمل، ناهيك به من قاضي، حكمه في هذا الإقليم متصرف الأوامر، وحديثه في العفة عن الأموال عُلالة المسامر، ليس ببابه من يقول لخصم هات، ولا من يجمجم الحق، أو يموع الترهات”

 

وفي دمشق تولى عددا من الوظائف مثل رواية الحديث، والتدريس بالمدرسة المسرورية، ومشيخة المدرسة الأشرفية إلى جانب القضاء، والخطابة بالجامع الأموي، ثم تنازل عن القضاء لولده تاج الدين عبد الوهاب السبكي، وعاد للقاهرة وتوفي بها في الثالث من شهر جمادى الثانية عام سبعمائة وست وخمسين من الهجرة، الموافق الرابع عشر من شهر يونيو لعام ألف وثلاثمائة وخمس وخمسين ميلادي، ودفن بمقبرة سعيد السعداء بالقاهرة، ورثاه صلاح الدين الصفدي بقصيدة طويلة، وكانت ولايته لقضاء دمشق سببا لصدامه مع السلطات الحاكمة بسبب صلابته في الحق حيث أنه كان لا يخشى في الله لومة لائم، فلا يقضي إلا بما استراح إليه ضميره على أساس من الشرع، حتى قال أحد كبار الأمراء المماليك وكان يدعى بدر الدين بن جنكلي بن البابا “نحن مع هذا السبكي في صداع”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى