مقال

الدكروري يكتب عن الإمام العجلي ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام العجلي ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثاني مع الإمام العجلي، ولما كان جمع الروايات والمقارنة بينها من أهم طرق معرفة الثقة الضابط من الضعيف الواهم، فإن الإمام العجلي استعمل ثروته الحديثية في هذا المجال، وفيه تظهر براعة العجلي ومهارته، حتى شهد له أئمة هذا الشأن بطول الباع وسعة الاطلاع، كما سبق عن الذهبي وغيره، ولما كان الإمام العجلي لم يصرح بشيء من منهجه وأسلوبه في الجرح والتعديل، فلم يكن لدى بعض العلماء سبيل سوى الاستقراء والتتبع لكتابه لمعرفة منهجه ومرئياته في بعض الأمور المتعلقة بهذا الفن، ولقد رتب كثير من المحدثين والمؤرخين كتبهم على الطبقات مراعين في ذلك الفضل والسبق في الإسلام، والتقدم الزمني من حيث الوفيات أو العلو في الأسانيد، أي الصحابة ثم التابعون ثم أتباع التابعين، ولكن لم يكن هناك مفهوم محدد للطبقات من حيث الفترة الزمنية.

 

ولذلك رتب كل مصنف كتابه وحدد طبقاته حسب اجتهاده، فالذهبي مثلا رتب كتابه تذكرة الحفاظ على إحدى وعشرين طبقة من عصر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عصره، وابن حجر في التقريب وزع رجال الكتب الستة على اثنتي عشرة طبقة، إلا أن التقسيم العام للطبقات عند كثير منهم هو الصحابة فالتابعون فأتباع التابعين، بغض النظر عن التفاضل الذي يوجد فيما بينهم، كما فعل ابن حبان في الثقات ومشاهير علماء الأمصار وغيره، والإمام العجلي لم يرتب كتابه على الطبقات، ولكنه مع ذلك يحرص على إظهار فضل الصحابة والتابعين، فينص في ترجمة الصحابي على أنه من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وينص في التابعي بأنه تابعي، وقد يميز بينهم فيقول من كبار التابعين أو خيار التابعين، وأما من بعدهم فيكتفي ببيان مرتبتهم من حيث الجرح والتعديل.

 

وعلى هذا يمكن أن نوزع التراجم الموجودة في الكتاب على أربع طبقات وهي الصحابة، وكبار التابعين، والتابعون، وأتباع التابعين فمن بعدهم، وإن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لهم فضل كبير ومرتبة عظيمة، فهم حملة الرسالة الإسلامية وبهم انتشر الإسلام في سائر أنحاء الأرض، وقد بذلوا أنفسهم ونفيسهم وقاتلوا وجاهدوا وأنفقوا أموالهم وأنفسهم في سبيل الله تعالى مع النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، ولذلك اتفقت الأمة من أهل السنة والجماعة على أن الصحابة كلهم عدول، ولم يخالفهم في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة، فقال الخطيب البغدادي عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم في نص القرآن، وبعد اتفاق أهل السنة والجماعة على عدالة الصحابة وفضلهم تعددت تعبيرات العلماء فيمن هو الصحابي ؟ لأن الصحبة تطلق على الكثير والقليل.

 

ولكن الذي اتفق عليه جمهور أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين هو أن الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومات على الإسلام، فيدخل فيه من لقيه من المسلمين ممن طالت مجالسته أو قصرت، روى عنه أو لم يرو، غزا معه أو لم يغزو، من رآه رؤية ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى، ويدخل في هذا العموم الأطفال الذين ولدوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ورأوه في حال الطفولة، فقال ابن حجر لا خفاء برجحان مرتبة من لازمه صلى الله عليه وسلم وقاتل معه أو قتل تحت رايته على من لم يلازمه أو لم يحضر معه مشهدا وعلى من كلمه يسيرا أو ماشاه قليلا أو رآه على بعد أو في حال الطفولة، وإن كان شرف الصحبة حاصلا للجميع، ومن ليس له منهم سماع منه، فحديثه مرسل من حيث الرواية وهم مع ذلك معدودون في الصحابة لما نالوا من شرف الرؤية.

 

والذي يظهر من صنيع الإمام العجلي أنه مع الذين لا يعتبرون الرؤية في الصغر كافية لإثبات الصحبة بل يتشددون في ذلك، فكثيرا ما نرى ناسا اختلف العلماء في صحبتهم، ويأتي العجلي فيبت بكونهم تابعين، وهكذا الأمر فيمن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صغره فالعجلي يجزم بكونهم تابعين، وعلى سبيل المثال هو محمود بن الربيع الأنصاري الذى ثبت في الصحيح عن محمود بن الربيع قال عقلت من النبى صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهى وأنا ابن خمس سنين من دلو، فقال ابن حجر في التقريب هو صحابي صغير وجل روايته عن الصحابة، وقال العجلى هو مدني تابعي ثقة، من كبار التابعين، وهكذا، بل قد يظهر من صنيع العجلي أنه يشترط البلوغ لإثبات الصحبة، فعلى الرغم من أنه ينص في ترجمة عبد الله بن الزبير على أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ترجمة زينب بنت أبي سلمة بأنها تابعية مدنية ثقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى