مقال

الدكروري يكتب عن الشيخ سيد النقشبندي ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الشيخ سيد النقشبندي ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثاني مع الشيخ سيد النقشبندي، وكان النقشبندي أحد خمسة مشايخ مقربين من السادات منهم الشيخ محمد متولي الشعراوي، والشيخ عبد الحليم محمود شيخ الجامع الأزهر، وقد حصل الشيخ سيد النقشبندي على العديد من الأوسمة والنياشين من عدد من الدول التي زارها، كما كرمه الرئيس السادات بعد وفاته عام ألف وتسعمائة وتسع وسبعين ميلادي، فحصل على وسام الدولة من الدرجة الأولى، وأطلقت محافظة الغربية التي عاش فيها أغلب عمره اسمه على أكبر شوارعها في مدينة طنطا، وعن حكاية الشيخ سيد النقشبندي مع الملحن بليغ حمدي، التي أثمرت عن ست ابتهالات، قال عنها النقشبندي في حديث جمعه بالإذاعي الكبير وجدي الحكيم لو مكنتش سجلتهم مكنش بقالي تاريخ بعد رحيلي، ومن بين أشهر الابتهالات التي تعاونا فيها مولاي إني ببابك.

 

وبدأت الحكاية في حفل خطبة ابنة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، والذي كان يحرص على وجود إنشاد ديني في الحفلات التي يحضرها، وكان النقشبندي ضيفا في الحفل، وأثناء قيام الأخير بتحية السادات، أشار السادات لوجدي الحكيم وبليغ حمدي، قائلا افتحوا الإذاعة أنا عايز أسمع النقشبندي مع بليغ، وذلك بحسب ما حكاه الحكيم، وبعد أيام حضر النقشبندي لمبنى الإذاعة برفقة الحكيم، وظل النقشبندي يردد على آخر الزمن يا وجدي، يلحن لي بليغ، معتقدا أن بليغ سيصنع له لحنا راقصا ولن يتناسب مع جلال الكلمات التي ينطق بها في الأدعية والابتهالات، وحاول الإعلامي الكبير تهدئته، إلا إنه كان لا يشعر بجدوى ما يحدث، وفكر في الاعتذار، حتى اتفق مع الحكيم على الاستماع لبليغ وإذا لم يُعجب باللحن الذي سيصنعه، سيرفض الاستمرار، ويقول وجدي الحكيم إن الشيخ النقشبندي.

 

ظل طيلة الوقت ممتعضا، وبعد نصف ساعة من جلوسه مع بليغ في الاستوديو، دخل الحكيم ليجد الشيخ يصفق قائلا “بليغ ده عفريت من الجن” وهكذا كان الشيخ سيد النقشبندي صوتا متفردا لم يأتي الزمان بمثله، يشدو فينقلك إلى عالم أخر وتشعر أنك تسمع كروان من الجنة، يهتز قلبك حين تستمع إلى رائعته مولاي إني ببابك وتشعر بأنك تلمس قطعة من السماء حين تسمع أنشودته الله يالله، وصوته الآخاذ والقوي و المتميز، طالما هز المشاعر والوجدان وكان أحد أهم ملامح شهر رمضان المعظم حيث يصافح آذان الملايين وقلوبهم خلال فترة الإفطار، بأحلى الابتهالات التي كانت تنبع من قلبه قبل حنجرته فتسمو معه مشاعر المسلمين، وتجعلهم يرددون بخشوع الشيخ سيد النقشبندي، وهو واحد من أبرز من ابتهلوا ورتلوا وأنشدوا التواشيح الدينية في القرن، وقالوا عنه.

 

وكان ذا قدرة فائقة في الابتهالات والمدائح حتى صار صاحب مدرسة، ولقب بالصوت الخاشع، والكروان، ولوفاة قيثارة السماء الشيخ سيد النقشبندي قصة غريبة يحكى عنها حفيده سيد شحاتة النقشبندي، قائلا جدي توفى بشكل مفاجئ وكان عمره خمس وخمسين عاما، ولم يكن مريضا، وقبلها بيوم واحد كان يقرأ القرآن في مسجد التليفزيون وأذن لصلاة الجمعة على الهواء، ثم ذهب مسرعا إلى منزل شقيقه من والدته سعد المواردي في العباسية، وطلب جدي من شقيقه أن يحضر ورقة وقلم بسرعة، وكتب كام سطر وأعطاه الورقة، وقال له لا تقرأها إلا ساعة اللزوم ثم عاد إلى بيته في طنطا، وفي اليوم الثاني شعر جدي ببعض التعب، فذهب للدكتور محمود جامع في مستشفى المبرة بطنطا، وحكى الدكتور جامع عن هذه الواقعة، مشيرا إلى أن جده دخل عليه على قدمه وقال له أشعر بألم في صدري.

 

وفاضت روحه في غرفة الكشف خلال دقائق، وأشار حفيد قيثارة السماء إلى أن شقيق الشيخ النقشبندي فتح الورقة التي كتبها بعد وفاته، فوجدها وصية كتبها الشيخ سيد يوصي فيها بأن يدفن مع والدته في مقابر الطريقة الخلوتية بالبساتين، وعدم إقامة مأتم له والاكتفاء بالعزاء والنعي بالجرائد، وأوصى برعاية زوجته وأطفاله، ويقول وأثناء عودة جدي من القاهرة في المرة الأخيرة أنه شهد سرادقا كبيرا لعزاء أحد كبار تجار الفراشة بطنطا، فقال لبطانته إيه السرادق العظمة ده؟ وبعد وفاته كان هذا السرادق مازال مقاما وبعد أن صلى الآلاف على جدي بمسجد السيد البدوي وتم دفنه بالقاهرة، أمر المحافظ بأن يبقى السرادق مقاما لعزاء الشيخ سيد النقشبندي، كما يقول حفيد الشيخ النقشبندي، أن جده كان متزوجا من ابنة عمته وأنجب منها خمسة أبناء ليلى ومحمد وأحمد وسعاد وفاطمة.

 

وتوفيت زوجته بعد رحلة مرض بالسكر، وكان الشيخ يحبها حبا كبيرا وتأثر بوفاتها، وعرض عليه أبناؤه الزواج بعد وفاة والدتهم، وبالفعل زوجوه من سيدة من المنصورة، وأنجب منها ثلاثة أبناء هم إبراهيم ورابعة والسيد، وتوفى قبل ميلاد ابنه الأصغر السيد وترك والدته حاملا فيه، بينما كان عمر إبراهيم لا يتجاوز الثلاث سنوات، وإبنته رابعة كان عمرها عام ونصف، وقال حفيد النقشبندي، أن جده عندما مات لم يكن في جيبه سوى ثلاثة جنيهات، ولم يترك أرضا أو بيتا أو أموالا، حيث كان ينفق كل ما يأتيه على الفقراء، وكان يقول دائما الله أكرمنا كي نكرم خلقه، مؤكدا أن الإذاعة لم تصرف بعد وفاته أي معاش لأبنائه وعاشوا ظروفا صعبة من بعده، وتوفي الشيخ سيد النقشبندي إثر نوبة قلبية في الرابع عشر من شهر فبراير عام ألف وتسعمائة وست وسبعين ميلادي.

 

عن عمر يناهز السادسة والخمسين عاما، قضى منها شهورا قليلة في القاهرة استطاع خلالها تسجيل أغلب أعماله، وقد كرمه رئيس مصر الراحل محمد أنور السادات عام ألف وتسعمائة وتسع وسبعين ميلادي، بمنحه وسام الدولة من الدرجة الأولى، وذلك بعد وفاته، كما كرمه الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك في الاحتفال بليلة القدر عام ألف وتسعمائة وتسع وثمانين ميلادي، بمنحه وسام الجمهورية من الدرجة الأولى، وذلك بعد وفاته أيضا، كما كرمته محافظة الغربية التي عاش فيها ودفن بها حيث أطلقت اسمه على أكبر شوارع طنطا والممتد من ميدان المحطة حتى ميدان الساعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى