مقال

الدكروري يكتب عن شهر الإنتصارات والفتوحات ” جزء 3″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن شهر الإنتصارات والفتوحات ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثالث مع شهر الإنتصارات والفتوحات، وفى رمضان من العام الثامن من الهجرة كانت محطة فارقة ونقطة فاصلة فى حياة الأمة، عندما فتحت جيوش الصحابة بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم مكة، وأعلنوا سقوط عاصمة الشرك والاستكبار الجاهلى، التى طالما استغل المشركون منزلتها وفضلها في التحريض ضد الإسلام والمسلمين، وأعلنوا تحرير بلد الله الحرام من أدران الشرك والأوثان، لتبدأ مرحلة جديدة في حياة الأمة اتحدت فيها بلاد الحرمين، الأصل والمهجر، وأعلن عن قيام الدولة الإسلامية على حدود جديدة، وعندما قاد المعتصم العباسي جيشا جرارا أوله من منابت الزيتون وآخره على أبواب عمورية، وذلك في رمضان سنة مائتان وثلاثه وعشرون من الهجرة بعد أن تجبر طاغية الروم توفيل بن ميخائيل، واستغل انشغال المسلمون بقتال بابك الخرمى في فارس.

 

وهجم بمائة ألف صليبي على حدود الدولة الإسلامية، وأوقع بأهل زبطرة في الأناضول مذبحة مروعة، فقتل الكبير والصغير، فجدع الأنوف وسمل العيون، واستاق الحرائر، حتى إن امرأة هاشمية صاحت بعد أن لطمها كلب رومي فقالت “وامعتصماه” وطارت الأخبار للخليفة المعتصم وهو في إيوان قصره، فلما طرقت الصرخة الحزينة مسامع الأسد الهصور “المعتصم العباسى” أسرع مهرولا فى قصره وهو يقول مثل الإعصار “النفير النفير” وقد خرج بكل ما لديه من جيوش، وأقسم ليهدمن أعز مدينة عند الرومان، وقد كتب وصيته ولبس كفنه وتحنط، وقسّم ماله ثلثا لأهله، وثلثا للمجاهدين، وثلثا لمنافع المسلمين، ولم يهدأ له بال ولم يستقر له حال حتى أناخ بساحة عمورية بأكثر من مائة ألف مجاهد من ثلاث جهات، ودخل عمورية وهي أشرف مدن النصارى، وهي العاصمة الدينية لهم في السادس من رمضان فهدمها بالكلية.

 

وتركها قاعا صفصفا، وأدّب أعداء الأمة تأديبا هائلا، ارتدعوا به فترة طويلة، واستعادت الأمة كرامتها، فإن هذه انتصارات رفعت من قدر الأمة الإسلامية على بقية الشعوب ومكن الله لها في الأرض وما ذلك إلا لتوحدهم وجلوسهم تحت مظلة واحدة وخلافة واحدة، فامتدت تلك الانتصارات منذ بزوغ نور النبوة بإنزال الله تعالى على رسوله القرآن الكريم في غار حراء فى اليوم السابع عشر من رمضان، عندما بلغ النبى صلى الله عليه وسلم أربعين عاما، مرورا بعهد الدعوة السرية والهجرة، ثم الخلافة الراشدة إلى نهاية خلافة الدولة العثمانية التى انهارت بسبب اتحاد القوى الأوروبية ضدها، وإن من ينظر إلى هذه الانتصارات سينتابه العجب، وكيف استطاع هؤلاء القيام بمثل هذه الانتصارات في وقت الصيام، وقد تكون في أيام صيف حار، فإن ذلك ليس بعجيب ولاغريب من أناس جعلوا الإسلام همَّهم.

 

وقدموا إعلاء رايته على كل شيء، فهو شهر عظيم جعله الله شهر انتصارات وعزة للإسلام والمسلمين، وعندما يذكر الإنتصار فى رمضان ، يصرف الذهن مباشرة إلى الإنتصارات العسكرية التى حققها المسلمون على أعدائهم فى هذا الشهر، من بدر إلى فتح مكة إلى عين جالوت إلى حرب العاشر من رمضان وغيرها من الملاحم الإيمانية التي كتب الله فيها النصر المؤزر لعباده المؤمنين وهذا حق ، ولكن مجالات الإنتصار في رمضان بالنسبة للمؤمن غير مقتصرة على هذا الجانب فقط، بل إن الإنتصارات التي تحققت وتتحقق على أعداء الأمة والمتآمرين عليها خلال شهر رمضان منذ بدء الرسالة إلى يوم الناس هذا، بقدر ماكانت نتيجة للأجواء الروحانية التي يصنعها رمضان بفيوضاته ورحماته وجوائزه ومآثره التي يغدقها المولى عز وجل فيه على عباده المؤمنين الصائمين.

 

مما يهيء لهم أسباب النصر لينتصروا، فإنها محصلة كذلك لكم الإنتصارات التي يحدثها وينجزها العبد المؤمن على مستواه الفردي والجماعى في شهر الصيام كما قال سبحانه وتعالى فى سورة محمد ” يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم” ثم كانت المعركة التي أنقذت الإسلام والمسلمين، تلك المعركة التي قامت أمة الإسلام بعدها من غفلتها واختلافها، وقامت تحت قيادة واحدة، هذه المعركة هي معركة عين جالوت فى الخامس والعشرين رمضان سنة ستمائة وثمانيه وخمسين من الهجرة وهى واحدة من أكثر المعارك حسما في التاريخ، فقد أنقذت العالم الإسلامى من خطر داهم لم يواجه بمثله من قبل، وأنقذت حضارته من الضياع والانهيار، وحمت العالم الأوروبى أيضا من شر لم يكن لأحد من ملوك أوروبا وقتئذ أن يدفعه، فقد ظهر جنكيز خان فى شمال الصين ومن ورائه جاء هولاكو يقود جيوشا جرارة من المغول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى