مقال

الدكروري يكتب عن الإمام الأعمش ” جزء 3″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام الأعمش ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثالث مع الإمام الأعمش، وقال محمد بن سعد كان الأعمش يقرأ القرآن في كل شعبان على الناس في كل يوم شيئا معلوما حين كبر وضعف، ويحضرون مصاحفهم فيعارضونها ويصلحونها على قراءته، وكان الأعمش يقرأ قراءة عبدالله بن مسعود، وقال أبو بكر بن عياش كان الأعمش يعرض القرآن، فيمسكون عليه المصاحف، فلا يخطئ في حرف، وقال الكسائي أتى الأعمش رجل، فقال أقرأ عليك؟ قال اقرأ، وكان الأعمش يقرأ عليه عشرون آية، فقرأ عليه عشرين وجاوز، فقال لعله يريد الثلاثين، فجاوز الثلاثين حتى بلغ المائة، ثم سكت، فقال له الأعمش اقرأ فوالله إنه لمجلس لا عدت إليه أبدا، وقال عيسى بن يونس خرجنا في جنازة، ورجل يقود الأعمش، فلما رجعنا، عدل به، فلما أصحر أي ابتعد عن العمران، قال أتدري أين أنت؟ أنت في جبانة كذا، ولا أردك حتى تملأ ألواحي حديثا.

 

قال اكتب، فلما ملأ الألواح، رده، فلما دخل الكوفة، دفع ألواحه لإنسان، فلما أن انتهى الأعمش إلى بابه، تعلق به، وقال خذوا الألواح من الفاسق، فقال يا أبا محمد، قد فات، فلما أيِس منه، قال كل ما حدثتك به كذب، قال أنت أعلم بالله من أن تكذب، وقال عبدالله بن إدريس قلت للأعمش يا أبا محمد، ما يمنعك من أخذ شعرك؟ قال كثرة فضول الحجامين، قلت فأنا أجيئك بحجام لا يكلمك حتى تفرغ، فأتيت جنيدا الحجام، وكان محدثا، فأوصيته، فقال نعم، فلما أخذ نصف شعره، قال يا أبا محمد، كيف حديث حبيب بن أبي ثابت في المستحاضة؟ فصاح صيحة، وقام يعدو، وبقي نصف شعره بعد شهر غير مجزوز، وقال محمد بن عبيد جاء رجل نبيل كبير اللحية إلى الأعمش، فسأله عن مسألة خفيفة في الصلاة، فالتفت إلينا الأعمش، فقال انظروا إليه، لحيته تحتمل حفظ أربعة آلاف حديث، ومسألته مسألة صبيان الكتاب.

 

ومن طرائف الأعمش أنه قال أبو بكر بن عياش رأيت الأعمش يلبس قميصا مقلوبا، ويقول الناس مجانين، يجعلون الخشن مقابل جلودهم، وكما قال أبو بكر بن عياش كان الأعمش يخرج إلينا شيئا فنأكله، فقلنا يوما لا يخرج شيئا إلا أكلتموه، فأخرج شيئا، فأكلناه، وأخرج، فأكلناه، فدخل، فأخرج فتيتا، فشربناه، فدخل وأخرج إجانة وقتا، وقال فعل الله بكم وفعل، أكلتم قوتي وقوت المرأة، وشربتم فتيتها، هذا علف الشاة، وقيل إن الأعمش كان له ولد مغفل، فقال له اذهب فاشتري لنا حبلا للغسيل، فقال يا أبت، طول كم؟ قال عشرة أذرع، قال في عرض كم؟ قال في عرض مصيبتي فيك، وقال وكيع بن الجراح أتيت الأعمش فقلت حدثني، قال ما اسمك؟ قلت وكيع، قال اسم نبيل، ما أحسب إلا سيكون لك نبأ، أين تنزل من الكوفة؟ قلت في بني رُؤاس، قال أين من منزل الجراح بن مليح؟

 

قلت ذاك أبي، وكان على بيت المال، قال لي اذهب فجئني بعطائي، وتعالي حتى أحدثك بخمسة أحاديث، فجئت إلى أبي فأخبرته، قال خذ نصف العطاء فاذهب به، فإذا حدثك بالخمسة، فخذ النصف الآخر، حتى يكون عشرة، فأتيته بنصف عطائه، فأخذه فوضعه في كفه، وقال هكذا، ثم سكت، فقلت حدثني، فأملى عليّ حديثين، فقلت وعدتني خمسة، قال فأين الدراهم كلها؟ أحسب أن أباك أمرك بهذا، ولم يدري أن الأعمش مدرّب، قد شهد الوقائع، اذهب فجئني بتمامها، فجئته، فحدثني بخمسة، فكان إذا كان كل شهر، جئته بعطائه، فحدثني بخمسة أحاديث، وقال عيسى بن يونس لم نري نحن مثل الأعمش، وما رأيت الأغنياء عند أحد أحقر منهم عنده مع فقره وحاجته، وقال جرير بن عبدالحميد كان الأعمش إذا خرج فسألوه عن حديث فلم يحفظه كان يجلس في الشمس يقول بيديه في عينيه.

 

فلا يزال يعركهما ويعركهما حتى يذكره، فإذا ذكره قال هات، عن أي شيء سألت؟ فيجيبه، وقال ابن إدريس أنه سئل الأعمش عن حديث فامتنع، فلم يزالوا به حتى استخرجوه منه فلما حدث به ضرب مثلا فقال جاء قفاف بدراهم إلى صيرفي يريه إياها، فلما ذهب يزنها وجدها تنقص سبعين فقال عجبت عجيبة من ذئب سوء أصاب فريسة من ليث غاب فقف بكفه سبعين منها تنقاها من السود الصلاب، فإن أخدع فقد يخدع ويؤخذ عتيق الطير من جو السحاب، وعن ابن إدريس قال، قال لي الأعمش أما تعجب من عبد الملك بن أبجر قال جاءني رجل فقال إني لم أمرض وأنا أشتهي أن أمرض قال فقلت احمد الله على العافية، قال أنا أشتهي أن أمرض، قال له كل سمكا مالحا، واشرب نبيذا مريسا، واقعد في الشمس، واستمرض الله، فجعل الأعمش يضحك ويقول كأنما قال له واستشف الله عز وجل.

 

وعن الأعمش قال بلغني أن الرجل إذا نام حتى يصبح يعني لم يصلي توركه الشيطان فبال في أذنه، وأنا أرى أنه قد سلح في حلقي الليلة، وذلك أنه كان يسعل، فهكذا كان سليمان بن مهران، الإمام شيخ الإسلام، شيخ المقرئين والمحدثين أبو محمد الأسدي الكاهلي مولاهم الكوفي الحافظ، وأصله من نواحي الري، فقيل ولد بقرية أمه من أعمال طبرستان في سنة إحدى وستين وقدموا به إلى الكوفة طفلا، وقيل حملا ، وتوفي الأعمش سنة مائة وثماني وأربعين من الهجرة، وهو ابن ثماني وثمانين سنة، ورُوى أن أبا بكر بن عياش دخل عليه في مرضه الذي توفي فيه فقال “أدعو لك طبيبا” فقال “ما أصنع به فوالله لو كانت نفسي في يدي لطرحتها في الحش إذا أنا مت فلا تؤذنن بي أحدا واذهب بي فاطرحني في لحدي” وذكره ابن كثير في البداية والنهاية في وفيات ربيع الأول سنة ثمان وأربعين ومائة، بينما ذكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد وفاته في سنة مائة وتسع وأربعين من الهجرة وقال “مات سنة تسع وأربعين ومائة وكان ثقة ثبتا في الحديث”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى