مقال

الدكروري يكتب عن الإمام السعدي ” جزء 3″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام السعدي ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثالث مع الإمام السعدي، ومما كتب نظم ابن عبد القوي المشهور، وأراد أن يشرحه شرحا مستقلا فرآه شاقا عليه، فجمع بينه وبين الإنصاف بخط يده ليساعد على فهمه فكان كالشرح له، ولهذا لم يعده من مصنفاته، وكان غاية قصده من التصنيف هو نشر العلم والدعوة إلى الحق، ولهذا يؤلف ويكتب ويطبع ما يقدر عليه من مؤلفاته، لا ينال منها عرضا أو يستفيد منها بل يوزعها مجانا ليعم النفع بها، ومن مصنفاته أيضا كتاب بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار وجمع فيه تسع وتسعين حديثا شاملا لفروع العلم الديني، ونور البصائر والألباب في أحكام العبادات والمعاملات والحقوق والآداب في الفقه الحنبلي وهو مقتضب، وكما له منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين، وكان الشيخ عبد الرحمن السعدي محبا للخير، ساعيا فيه، يطرق كل باب يؤدي إليه.

 

ولذا كانت له مشاركات إيجابية في إقامة المشاريع الخيرية التي يعود نفعها على المجتمع عامة، ومن مشاركاته وأنشطته التي قام بها أنه كان مرجع بلاده وعمدتهم في جميع أحوالهم وشؤونهم، فهو مدرس الطلاب، وواعظ العامة، وإمام الجامع وخطيبه، وكاتب الوثائق، ومحرر الأوقاف والوصايا، وعاقد الأنكحة، ومستشارهم في كل شؤونهم وما يهمهم من أمور دينهم ودنياهم، وكل هذه الأعمال يقوم بها حسبة، ولا يتقاضى عنها أجرا، وهذا ما جعله كبيرا في أعين الناس، محبوبا لدى عامتهم وخاصتهم، ويقول عنه العدوي لقد كان الشيخ عبد الرحمن السعدي من الناحية الدينية هو كل شيء في عنيزة، فقد كان العالم، والمعلم، والإمام، والخطيب، والمفتي، والواعظ، والقاضي، وصاحب مدرسة دينية له فيها تلاميذ منتظمون، فقام بتأسيس المكتبة الوطنية بعنيزة، وذلك عام ألف وثلاثمائة وتسع وخمسين.

 

أو قيل عام ألف وثلاثمائة وستين من الهجرة، على نفقة الوزير عبد الله السليمان الحمدان تحت إشراف الشيخ السعدي، فبذل الشيخ السعدي جهودا كبيرة في تأسيسها وتأمين المراجع العلمية لها من كل مكان، وقد جلب لها آلاف المراجع ما بين مطبوع ومخطوط في شتى العلوم والفنون والمعارف، وقد خدمه في ذلك تلاميذه المنتشرون في كل مكان، وأصبحت هذه المكتبة بمثابة نادي يلتقي فيه طلبة الشيخ ويتذاكرون ويتدارسون ويتحاورون، وقد خصص الشيخ للمكتبة جلسة، فأصبحت تعج بالزائرين لأنها شهدت حركة علمية كبيرة، وتعد هذه المكتبة من طلائع المكتبات العامة في العهد السعودي، وخصوصا في الديار النجدية، وكما رشح الشيخ السعدي لقضاء عنيزة عام ألف وثلاثمائة وستين من الهجرة، فامتنع تورعا، وحرص ألا يعمل بعمل رسمي، ليتسنى له التفرغ للعلم وطلابه.

 

ولهذا عرض عليه القضاء مرارا، ولكنه كان في كل مرة يرفض، ومبدؤه الحرص على التفرغ وجمع القلب والفكر للعلم والتعليم، وقد علم الله صدق سريرته، فتحقق له ما أراد، وسلم من كل المناصب التي تشغله عن العلم شاء أم رفض، وكما عينه القاضي عبد الرحمن بن عودان إماما وخطيبا للجامع الكبير بعنيزة في رمضان عام ألف وثلاثمائة ووواخد وستين من الهجرة، واستمر فيه حتى خلفه تلميذه الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، وقد عد الناس هذا التعيين حسنة من حسنات الشيخ ابن عودان، وأحبوه من أجلها، وحفظوها له لأنها خطوة مباركة، نفع الله بها البلاد والعباد، إذ كان المسجد الجامع ناديا من أندية العلم في حياته وحياة شيخه صالح القاضي، يأتيه طلاب العلم من كل البوادي والأمصار القريبة للانتفاع، ويزدحم بالطلاب على اختلاف ميولهم ورغباتهم وتفاوتهم في درجات تحصيلهم.

 

لكن الدافع للجميع هو الرغبة في العلم والتحصيل، وكانت مجالس المترجم له وشيخه في المسجد وغيره مجالس علم وتعليم وتربية وتوجيه، وهكذا العالم كالغيث أينما حل نفع، وكما جمع في سنة ألف وثلاثمائة وثلاث وستين من الهجرة، التبرعات من المحسنين كل على قدر استطاعته لبناء مقدم الجامع الكبير، وقد انهالت عليه التبرعات من كل مكان، وجمع من المال ما مكنه من توسعة المسجد وبناء مقدمته بناء مناسبا يتواكب مع الأعداد الكبيرة التي تؤم المسجد وتصلي فيه، وكما جمع في سنة ألف وثلاثمائة وثلاث وسبعين من الهجرة، التبرعات مرة ثانية لعمارة مؤخر الجامع الكبير، وقد اجتمع لديه المال ما تمكن به من إتمام العمارة على أتم وجه وأكمله، وليس هذا بغريب فإن الأخيار الموثقين إذا تصدوا وتصدروا لعمل الخير، فسيجدون كل عون ومساعدة من المحسنين لثقتهم بهم، ولاطمئنانهم على مصير ما تجود به أنفسهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى