مقال

آنية النحل “مصعب بن الزبير”

آنية النحل “مصعب بن الزبير”

بقلم / محمــــد الدكـــرورى

 

مصعب بن الزبير، هو أبو عبد الله مصعب بن الزبير بن العوام بن خويلد القرشي، وهو ابن الصحابي الزبير بن العوام وأخو الخليفة عبد الله بن الزبير، وكان أمير العراقين، وهو تابعي وأحد الولاة في صدر الإسلام، وابن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضوان الله عليه الزبير بن العوام، وكان مصعب قائدا عسكريا متمرسا خاض كثير من الحروب لعل أهمها حربه على المختار بن ابي عبيدة الثقفي، حيث كانت نهاية الحرب بأن طوق قصر الإمارة الذي كان يحتمي فيه المختار ومعه سبعة آلاف من جنده لأكثر من شهرين.

 

وكان المختار في حينها ينتظر الإمدادات العسكرية من قبل القائد إبراهيم بن مالك الأشتر، إلا أن الأخير قد تأخر مما اضطر المختار إلى القتال مع نفر قليل من قادته، وذلك لأن أغلب جنوده استسلموا بدون قتال، فقتل المختار وقطع رأسه واما الأسرى من الجنود البالغ عددهم أكثر من ستة آلاف فأعطى مصعب حكمه بإعدامهم جميعا، وكان مصعب فارسا شجاعا، وجميلا وسيما، وكريما سخيا حتى سُمي لسخائه، آنية النحل، فكان له كل سنة عطاءان لأهل العراق، عطاء في الشتاء وعطاء في الصيف، فأحبه الناس لذلك حبا شديدا.

 

وكانت أمه هى الرباب وقيل أنها كرمان بنت أنيف من قبيلة كلب، وله من الإخوة كثير، الأشقاء منهم حمزة والرباب أو رملة كما ذكرها ابن عساكر، وله من أبيه عبد الله بن الزبير، وهو من نشأ بين يديه، وعروة، وعبيدة وعمرو وغيرهم، وقد تزوج مصعب السيدة سكينة بنت الحسين، فولدت له الرباب، وبعد مقتله خطبها عبد الملك بن مروان فقالت والله لا يتزوجني بعده قاتله أبدا، وتزوج أيضا فاطمة بنت عبد الله بن السائب، وعائشة بنت طلحة بن عبيد الله، فكان له منهما عيسى الأكبر، وقد قتل مع أبيه.

 

وعكاشة وجعفر وحمزة وسعد وغيرهم، وقد ولاه أخوه عبد الله البصرة سنة سبعه وستين من الهجره، وأمره بمحاربة المختار الذي استفحل أمره بعد أن استولى على الكوفة وبات خطرا على مركزه في العراق، وقد حارب مصعب جيش المختار بن أبي عبيد الثقفي في مكان قريب من الكوفة وهزمه، ثم توجه إلى الكوفة حيث تحصّن المختار وكان يقاتل قتالا شديدا مع من بقي معه إلى أن قتل المختار وأتي برأسه ووضع بين يدي مصعب، ولما تم لمصعب القضاء على المختار قام بتوجيه الولاة على الأقاليم التابعة للعراق.

 

وأقام بالكوفة لضبطها وإعادة النظام إليها بعد أن عمتها الفوضى والتمرد إثر الحركات المختلفة التي انطلقت منها كحركة التوابين وغيرها، ولكن عبد الله بن الزبير عزل مصعبا عن البصرة وولى مكانه ابنه حمزة، لكن ذلك لم يطل لأن حمزة لم يظهر مقدرة أو مهارة في الإدارة، فأعاد أخاه مصعبا إليها وذلك بعد سنة كان مصعب فيها يلي الكوفة، وعاد مصعب إلى حكم العراق وغدا له الأمر في الكوفة والبصرة معا باسم عبد الله بن الزبير، فصار أمير العراقين، ولم يزل كذلك حتى سار إليه عبد الملك فقتله.

 

وفي سنة اثنين وسبعين من الهجره، قرر عبد الملك بن مروان أن يسير بجيشه قاصدا العراق لحرب مصعب، فبلغ مصعبا مسير عبد الملك، فأراد الخروج للقائه وطلب من البصريين النهوض معه لقتال أهل الشام فأبى عليه أهل البصرة وتباطؤوا بحجة أن الخوارج الحرورية برئاسة قطري بن الفجاءة قد نزلوا سوق الأهواز وغدوا على مقربة من البصرة، وبلغ من شدة الخطر الخارجي على البصرة أن مصعب بن الزبير على حاجته الملحّة إلى المقاتلين اضطر إلى إبقاء خيرة جنوده في هذه المدينة مع المهلب بن أبي صفرة.

 

وكان هذا من العوامل التي أدت إلى هزيمة مصعب، وقد خرج مصعب بن الزبير حتى نزل بمسكن في دير يدعى، دير الجاثليق، فأرسل عبد الملك إلى مصعب رجلا يدعوه إلى جعل الأمر شورى في الخلافة، فأبى مصعب، ودارت رحى الحرب، ولما التقى الجيشان خذل أهل العراق مصعبا، وما بقي معه إلا إبراهيم بن الأشتر وقلة قليلة، وقد قتل منهم من قتل، وانصرف الباقي فارين، وقد كان عبد الملك يحب مصعبا حبا شديدا ، وكان خليلا له قبل الخلافة ، فقال لأخيه محمد اذهب إليه فآمنه، فجاءه.

 

فقال له يا مصعب قد آمنك ابن عمك على نفسك وولدك ومالك وأهلك فاذهب حيث شئت من البلاد، ولو أراد بك غير ذلك لكان، فقال مصعب قضي الأمر، إن مثلي لا ينصرف عن مثل هذا الموقف إلا غالبا أو مغلوبا، فتقدم ابنه عيسى فقاتل، فقال محمد بن مروان يابن أخي لا تقتل نفسك، ثم ذكر من قوله ما تقدم، ومازال يقاتل حتى رماه زائدة بن قدامة الثقفي برمح قصير مناديا “يا لثارات المختار” فقتله واحتز رأسه، وقيل احتز رأسه عبيد الله بن زياد بن ظبيان، وحُمل الرأس إلى عبد الملك فلما وُضع بين يديه بكى.

 

وقال والله ما كنت أقدر أن أصبر عليه ساعة واحدة من حبي له، حتى دخل السيف بيننا، ولكن الملك عقيم، ومتى تلد النساء مثل مصعب؟ ثم أمر بدفنه هو وابنه عيسى وإبراهيم بن الأشتر في قبور بمسكن بالقرب من الكوفة، وقبره معروف هناك، وقيل أنه كان مقتل مصعب بن الزبير يوم الثلاثاء الثالث عشر من جمادى الأولى أو الآخرة من سنة إحدى وسبعين أو سنة اثنين وسبعين من الهجره، وقد قيل أن رأسه أرسل إلى الشام، فأخذته عاتكة بنت يزيد بن معاوية فغسلته وطيّبته ودفنته.

 

وعلى قول الجمهور أن وفاته كانت سنة إحدى وسبعين، ويقال إن عبد الملك ذكر مصعبا يوما بعد وفاته فقال أشجع الناس مصعب، فقد وليَ العراقين، ثم زحف إلى الحرب، فبذلت له الأمان والحِباء أى العطاء، والولاية والعفو عما خلص في يده، فأبى قبول ذلك، واطرح كل ما كان مشغوفا به من ماله وأهله وراء ظهره، وأقبل بسيفه قرما، أى شديد الرغبة في القتال، يقاتل وما بقي معه إلا سبعة نفر حتى قتل كريما، ويقول الشعبي فى مصعب بن الزبير ما رأيت أميرا على منبر قط أحسن منه.

 

وكان مصعب يجالس أبا هريرة، وقد روى عن أبيه الزبير، وعن سعد بن أبي وقاص وأبي سعيد الخدري، وحكى عن عمر بن الخطاب، وروى ابن أبي الزناد عن أبيه قال اجتمع في الحجر عبد الله ومصعب وعروة بنو الزبير وابن عمر فقال تمنوا فقال ابن الزبير أتمنى الخلافة وقال عروة أتمنى أن يؤخذ عني العلم وقال مصعب أتمنى إمرأة العراق والجمع بين عائشة بنت طلحة وسكنية بنت الحسين فقال ابن عمر أما أنا فأتمنى المغفرة فنالوا ما تمنوا ولعل ابن عمر قد غفر له.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى