مقال

جسر العبور بالطفل إلى العالم الأوسع

جريدة الاضواء

الدكرورى يكتب عن جسر العبور بالطفل إلى العالم الأوسع
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأحد الموافق 4 فبراير 2024

الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، أما بعد إن الأسرة هي اللبنة الأولى في تكون المجتمع البشري بصلاحها وإستقامتها وتراحمها يصلح المجتمع ويستقيم ويتراحم، وبفسادها يفسد المجتمع وتتهاوى أواصره، فمن خلال الأسرة يستلهم الطفل انفعالاته الأولى في الحب والكره والغضب والحلم والتعاون والأنانية، فهي جسر العبور بالطفل إلى العالم الأوسع، حيث إنها تعلمه الاحترام والتقدير وتحمل المسؤولية، وتعده للتكامل وتشبع عنده الحاجة إلى الاستقرار العقلي والعاطفي، ومعظم مشاعر الطفل تتمركز حول الأم والأب.

بحيث تميل إلى أن تصبح اتجاهاته وتوقعاته الاجتماعية نسخة من إتجاهاتهما وتوقعاتهما، ويحدث هذا التعلم قبل أن يكون للطفل إدراك واعي بنفسه وبالآخرين، وإن علاقة الطفل بوالديه ترسم مستقبلا طبيعة تكوينه النفسي، وسمات شخصيته، وطبيعة علاقته بالآخرين، فقد بينت العديد من الدراسات أن الأطفال الذين يرون أنه بالإمكان العيش مع الناس، والتعاون معهم، والتضحية من أجلهم، كانت علاقاتهم إيجابية مع والديهم، في حين أولئك الأطفال الذين يعتقدون أن العلاقات الاجتماعية عبارة عن قانون الغاب، كانت علاقاتهم سيئة مع والديهم، كما وُجد أن السلوك المضطرب للوالدين ينعكس بالمثل على الأبناء فالأطفال الذين تعرضوا لصرامة مفرطة في البيت أظهروا ميلا للعدوانية أكثر من سواهم.

في حين وُجد أن الأطفال الذين يعتقدون أن الطبيعة البشرية خيّرة بالأساس قد أقاموا علاقات إيجابية مع الوالدين، أكثر من أولئك الذين يرون الناس أشرارا بطبيعتهم، وكما أن للوالدين حقا على أولادهم فإن للأولاد حقا على والديهم، فالله عز وجل كما أمرنا ببر الوالدين، أمرنا أيضا بالإحسان إلى الأبناء، وقال الإمام المناوي لأن يؤدب الوالد ولده، وينشئه على أخلاق الصالحين، ويصونه عن مخالطة المفسدين، ويعلمه القرآن والأدب، ويسمعه السنن وأقاويل السلف، ويعلمه من أحكام الدين مالا غنى عنه خير له من أن يتصدق بصاع لأنه إذا أدبه صارت أفعاله مع صدقاته الجارية تدوم بدوام الولد، وصدقة الصاع ينقطع ثوابها، وعلى الرغم من عظم مسؤولية الأبناء إلا أن الكثير منا قد فرّط بها واستهان بأمرها.

ولم يرعها حق رعايتها، فأضاعوا أبناءهم، وأهملوا تربيتهم، فهم لا يسألون عنهم، وإذا رأوا منهم تمردا أو انحرافا بدؤوا يتذمرون ويشكون من ذلك، وما علموا أنهم السبب الأول في ذلك التمرد والانحراف، متناسين أن الأدب غذاء النفوس وتربيتها للآخرة، فرسالة الوالدين رسالة عظيمة لو أحسنا تأديتها لفازا بخير الدارين بإذنه تعالى، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له” هذا وقد يحسب بعض الناس أن جهل الوالدين بأصول التربية الصحيحة سبب سوء سياستهما ومعاملتهما لأطفالهما، غير أن الدراسات الحديثة بيّنت أن النضج الانفعالي للوالدين من أهم العوامل في تنشئة الطفل.

فالثقافة والعلم بشروط التربية السليمة لا تنفع الوالدين إن لم يكن لديهما قدر كافي من النضج الانفعالي الذي يعينهما على تحمّل أعباء التربية، وتكاليف تبعاتها، وما تتطلبه من تضحية وإنكار للذات، مع حزم وحب يعطي ولا يأخذ، فماذا تنفع الثقافة ومعرفة أصول التربية مع انفعال حاد وشراسة في الطبع؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى