مقال

الدكروري يكتب عن الإمام الداودي ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام الداودي ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثاني مع الإمام الداودي، ولم يذكر من ترجمه ممن تقدم سنة مولده، إلا أن القاضي عياض بن موسى قال إن أصله من المسيلة، وقيل من بسكرة وكان بطرابلس، وبها أملى كتابه في شرح الموطأ ثم انتقل إلى تلمسان، ولم يعرف عن الداودي أنه حمل عن أحد من المشايخ، وقال ابن فرحون وكان درسه وحده، لم يتفقه في أكثر علمه على إمام مشهور، وإنما وصل بإدراكه، وعد القاضي عياض ذلك عيبا وغمزا فقال بلغني أنه كان ينكر على معاصره من علماء القيروان سكناهم في مملكة بني عبيد، وبقاءهم بين أظهرهم، وأنه كتب إليهم مرة بذلك فأجابوه “اسكت لا شيخ لك” يشيرون أنه لو كان له من يفقهه حقيقة الفقه لعلم أن بقائهم، مع من هناك من عامة المسلمين، تثبيت لهم على الإسلام، وبقية صالحة للإيمان، وأنه لو خرج العلماء من إفريقية لما بقي فيها من العامة آلاف آلاف، فرجحوا خير الشرين.

 

ومع ذلك فقد وصفه غير واحد بالتقدم والرياسة في العلم، فقال فيه ابن فرحون وكان فقيها فاضلا متقنا، مؤلفا مجيدا، له حظ من اللسان والحديث والنظر، وحلاه الشيخ محمد بن محمد مخلوف بقوله الإمام الفاضل العالم المتفنن الفقيه، وأشهر من حمل عنه أبو عبد الملك البوني، وأبو بكر بن محمد بن أبي زيد، وأبو علي بن الوفاء، ولبث الإمام أبو جعفر أحمد بن نصر الداودي بطرابلس زمنا ألف فيه شرحه للموطأ ثم انتقل إلى تلمسان، وبها توفي سنة ربعمائة واثنين من الهجرة وقبره عند باب العقبة، ولم ينص أحد ممن اهتم في هذا العصر بتتبع مخطوطات وذكر أماكن وجودها على مكان وجود شرح الإمام الداودي، حتى قال يوسف الكتاني أما عن شرح النصيحة، فلا يعرف أثره إلى اليوم، وقد كان الظنون أنه من ذخائر خزانة القرويين، وقد بحثت عنه طويلا، وبمساعدة قيمها المرحوم العابد الفاسي.

 

ومساعدون الذين أكدوا عدم العثور عليه، كما أنه لا يوجد مسجلا ضمن الكتب المفهرسة بها، ولا ذكر له في مختلف القوائم والفهارس المتعلقة بخزانة القرويين منذ فهرس بل، سنة ألف وتسعمائة وسبعة عشر ميلادي إلى اليوم، ولكنني أميل إلى وجوده إما بين الكتب التي لم تفهرس بعد، والتي أخذت الروضة تأكل بعضها، وإما بين مئات الكتب التي استعيرت من خزانة القرويين، وبقيت ضائعة عن المستعيرين إلى الآن، ومازلت آمل العثور على هذا الشرح النفيس، وقيل بأنه كتب يوسف الكتاني هذا الكلام منذ سنوات خلت، والمأمول في القائمين على خزانة القرويين، وعلى رأسهم محافظها أن يبالغوا في التنقيب عن هذا السفر النفيس، والكتاب الجليل، ضمن الكتب التي لم تفهرس بعد، وكما يقول لقد حملني شوقي لشرح الإمام الداودي إلى جمع مادته المتناثرة في الشروح المتأخرة عنه.

 

كشرح الكرماني، وشرح الحافظ العيني وشرح القسطلاني، فتجمعت عندي مادة علمية كثيرة كتبت حولها هذه الدراسة، ويقول أيضا أنه لما كان شرح الإمام الداودي مفقودا، استخرت الله عز وجل في جمع ما تناثر منه في الشروح المتأخرة عنه، والتي تكثر نقول أصحابها منه، ولقد أشرنا آنفا إلى أصحاب هذه الشروح، وبعد استخراج النصوص، وجمعها من هذه الشروح، تبين لنا كثرة المادة العلمية، التي تتكون من نصوص منقولة عن الإمام الداودي، أو مستفادة من كلامه، أو مشتملة على رأي ذهب إليه، أو استنباط حكم من حديث أو غير ذلك، كما اشتملت كتب الأئمة الأربعة المشار إليها آنفا على أكثر من ستمائة نص ورد صحيح النسبة إلى الإمام الداودي، كما تضمنت النصوص المستخرجة كلام الإمام الداودي على أغلب كتب الجامع الصحيح، وهناك كتب لا يوجد فيها للداودي ذكر.

 

فما أدري أتكلم عليها في أصله أم لا؟ وقد تكون مما تكلم عليه، فأغفل ذلك كله هؤلاء الذين نقلوا عنه، والعلم عند الله تعالى، وكما تتضح معالم منهج الإمام الداودي من خلال هذه النصوص المستخرجة، ويمكن أن نلم بها على النحو التالي وهو مصادر الداودي في الشرح وموارده ، حيث لم يسم الإمام الداودي في شرحه أحدا نقل عنه، أو استفاد منه، ولعل مرد ذلك إلى ما ذكره القاضي عياض من أنه لم يتفقه في أكثر علمه على إمام مشهور، وإنما وصل إلى ما وصل بإدراكه، والذي يمكن تقريره هنا أن الداودي استعان أثناء الشرح بكتب كثيرة في اللغة والحديث والتفسير والفقه وغير ذلك، وأيضا طريقة الداودي في الشرح والكلام عليها من وجوه، فالوجه الأول هو اهتمام الشارح بالجانب اللغوي، وهذا أمر بين ظاهر لمن عاين النقول الكثيرة عنه.

 

ويبرز هذا الاهتمام في أمرين اثنين هما شرح غريب، والحديث النبوي الشريف والأمثلة على ذلك كثيرة منها عند كلامه على قوله صلى الله عليه وسلم “فيخرجون من النار قد امتحشوا” قال “امتحشوا، انقبضوا واسودوا” وفي النهاية توفي شيخ الإسلام أحمد بن نصر الداودي بمدينة تلمسان، حيث ألف معظم كتبه، ويُرجح أنه مات في سنة ربعمائة واثنين من الهجرة، وهي السنة التي رجحها القاضي عياض عند ترجمته للداودي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى