مقال

الدكروري يكتب عن العمل أساس الحياة ” جزء 3″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن العمل أساس الحياة ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وذاك ما يتصوره الناس أنه أحقر وأشق المهن الاحتطاب، وعن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه، فقال صلى الله عليه وسلم ” لأن يأخذ أحدكم حبلة فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها، فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه” رواه البخاري، فعلى الشاب أن يبدأ مسيرة العمل بما تيسر له وأن لا يأنف من أي عمل يبدأ به والله يعينه وسيوفقه إلى عمل أرقى ومنزلة أسمى طالما بدأ، فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه “لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ثم يسأل الله تعالى فإن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة” بل كان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يجعل العمل حلا دائما لمشكلة البطالة والحاجة، واستخدم صلى الله عليه وسلم طريقة المزاد الحديثة المعروفة على بعض مما يملك هذا الصحابي ليشتري به أدوات إنتاجه، فعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه.

 

قال “أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله فقال أما في بيتك شيء؟ قال بلى حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه وقعب نشرب فيه من الماء قال ائتني بهما قال فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال من يشتري هذين؟ قال رجل أنا آخذهما بدرهم قال من يزيد على درهم؟ مرتين أو ثلاثا قال رجل أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري وقال اشتري بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك واشتري بالآخر قدوما فأتني به فأتاه به فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده ثم قال له اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوما فذهب الرجل يحتطب ويبيع فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة لذي فقر مُدقع أو لذي غُرم مُفظع أو لذي دم مُوجع ” رواه أبي داود.

 

ويرسخ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم مبدأ ضرورة العمل وأنه باب المغفرة ويوجه أصحابه إلى ذلك قائلا “من أمسى كالا من عمل يده بات مغفورا له” رواه الطبراني، ويؤسس هذه القاعدة الجليلة في المكاسب بقوله صلى الله عليه وسلم “أطيب ما أكل المؤمن من عمل يده” بل جعل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في العمل نوعا من أنواع الجهاد في سبيل الله تعالى، فعن كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنه قال “مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فرأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلده ونشاطه فقالوا يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان” وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة المجتمع كله في العمل.

 

لا يأنف من أي عمل يدوي يقوم به ما دام مشروعا وذلك في زمان قد أنف فيه كثير من الأحرار أن يعملوا لأن ذلك حرف العبيد لديهم، ففي صبا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قد خرج في رحلات متتابعة للتجارة في مال السيدة خديجة رضي الله تعالى عنها وقبلها كان يخرج في رحلة الشتاء والصيف إلى اليمن أو الشام مع عمه أبي طالب، وقد رعى الغنم في مكة قبل بعثته المباركة، وقال في ذلك “ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم، فقال أصحابه وأنت؟ فقال نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة” رواه البخاري، وفي بناء المسجد النبوي الشريف تتجلى قيمة العمل في الإسلام حيث يقوم رأس الدولة ذاته بالعمل في البناء وبذل الجهد بيده ولم يتخذ له حجابا ولا عُلية من دون البناة وحُمّال الحجارة بل كان يحمل معهم فلما رأى الأصحاب ما لا مثيل له في قيادات البشرية قالوا لئن قعدنا والنبي يعمل، لذاك منا العمل المضلل.

 

وكذلك في غزوة الأحزاب كان يمسك المعول بيده الشريفة ويفتت به الحجارة الصماء في شق الخندق، وكان الصحابة الكرام يرون الغبار على جلدة بطنه الشريف صلى الله عليه وسلم، وفي بيته المبارك حيث تنزلات الملائكة وأنوار العبادة تتجلى قيمة العمل في الإسلام كما روى عروة ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما أنه سأل خالته ام المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها بقوله “قلت لعائشة يا أم المؤمنين أي شيء كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عندك؟ قالت ما يفعل أحدكم في مهنة أهله يخصف نعله ويخيط ثوبه ويرقع دلوه” رواه ابن حبان، ولم يكن الأنبياء المطهرين عليهم السلام ومعهم الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم أجمعين في معزل عن العمل، بل اقتحموا الميدان على اختلاف مناشطه وجهوده، فعن نبي الله داوود عليه السلام قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ” ما أكل أحد طعاما قط خير من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده” رواه البخاري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى