مقال

الدكروري يكتب عن المزارع المجد ” جزء 3″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن المزارع المجد ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وإنه وللأسف في ثقافة اليوم يتمنى كثير من الدارسين أحد التخصصات الهامة، وغيرها من التخصصات غير تخصص الزراعة، ويعتبر كثير منهم الزراعة على هامش الأعمال، ومن المهن الشاقة التي لا تدر أموالا، ولا ترفع أقواما، ومع إيماننا بأهمية التخصصات الأخرى، إلا أن الزراعة من الأعمال العظيمة النافعة للأمة، وإنه مطلوب من كل الدعاة، وكل من له تأثير في المجتمع، أن نغيّر هذا المفهوم الخاطئ والخاطئ جدا، فالزراعة تميزت دون سائر أوجه النشاط الإنساني، بل دون سائر أوجه النشاطات الاقتصادية الأخرى كالتجارة والصناعة، بأنها أساس الاستقرار والحضارة والتنمية، وقد جاءت النصوص الشرعية المرغبة في هذا العمل، وجاء التطبيق العملي من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في الاهتمام بهذا الأمر، وقد وردت الكلمات التي تدل على الزراعة المكونة من مادة زرع أو حرث في القرآن الكريم في أكثر من عشرين آية.

 

وهذه الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم التي توضح أهمية هذا العمل، ويتضح هذا بصورة رائعة عندما نعلم أن مثوبة الزارع والغارس ممتدة إلى ما بعد الموت، وأنها صدقة جارية إلى يوم القيامة، فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا يغرس مسلم غرسا، ولا يزرع زرعا، فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شيء، إلا كانت له صدقة” رواه مسلم، وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى في هذه الأحاديث فضيلة الغرس، وفضيلة الزرع، وأن أجر فاعلي ذلك مستمر ما دام الغراس والزرع، وما تولد منه إلى يوم القيامة، وقد اختلف العلماء في أطيب المكاسب وأفضلها، فقيل التجارة، وقيل الصنعة باليد، وقيل الزراعة، وهو الصحيح، ويقول سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى، بأن فيه مصلحة في الدين ومصلحة في الدنيا، أما مصلحة الدنيا، فما يحصل فيه من إنتاج.

 

ومصلحة الغرس والزرع، ليست كمصلحة الدراهم والنقود، لأن الزرع والغرس ينفع نفس الزارع والغارس، وينفع البلد كله، كل الناس ينتفعون منه بشراء الثمر، وشراء الحب، والأكل منه، ويكون في هذا نمو للمجتمع، وتكثير لخيراته، بخلاف الدراهم التي توضع في الصناديق ولا ينتفع بها أحد، أما المنافع الدينية فإنه إن أكل منه طير، أو عصفور، أو حمامة، أو دجاجة، أو غيرها، ولو حبة واحدة، فإنه له صدقة، سواء شاء ذلك أم لم يشأ، حتى لو فرض أن الإنسان حين زرع أو حين غرس لم يكن بباله هذا الأمر، فإنه إذا أكل منه كان له صدقة، ففي هذا الحديث دلالة واضحة على حث النبي عليه الصلاة والسلام على الزرع وعلى الغرس لما فيه من المصلحة الدينية والمصالح الدنيوية، والحسبة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طريق إلى الفلاح، حيث يقول تعالي في سورة آل عمران.

 

” ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون” والجهاد في سبيل الله تعالى بالنفس أو المال يوصل إلى الفلاح، حيث قال تعالى في سورة التوبة ” لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون” وذكر الله تعالى الثبات في الجهاد سببا للفلاح فقال تعالي في سورة الأنفال ” يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون” والاعتراف بنعم الله بذكرها وشكر الله عليها وأداء ما يجب فيها سبب للفلاح، كما قال نبي الله هود عليه السلام لقومه كما جاء في سورة الأعراف ” فاذكروا الآء الله لعلكم تفلحون” وأيضا التحاكم إلى شريعة الله تعالى، وطاعته سبحانه وطاعة رسولِه صلى الله عليه وسلم سبب للفلاح، فقال تعالي في سورة النور ” إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلي الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون”

 

وأداء الحقوق إلى أهلها، يحقّق الفلاح، حيث قال تعالي في سورة الروم ” فآت ذا القربي حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون” وكما أن موالاة أولياء الله تعالى ومعاداة أعدائه وبناء الولاء والبراء على مِنهاج النبوة ينظم صاحبه في جماعة المؤمنين، وهم حزب الله تعالى الصادقين والمفلحين، فقد ذكر الله في آخر سورة المجادلة أهل الإيمان الصادقين في ولائهم للمؤمنين وبرائهم من الكافرين، ثم ختم الآية والسورة بقوله تعالي ” أولئك حزب الله إن حزب الله هم المفلحون” والإنفاق في سبيل الله والتخلص من شح النفس سبب للفلاح، حيث قال تعالى في سورة التغابن “وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون” وكما أن كف اليد في الفتن سبب للفلاح لأن أمر الدماء عظيم عند الله تعالى كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “ويل للعرب من شر قد اقترب، أفلح من كف يده” رواه أبو داود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى