مقال

الدكروري يكتب عن قيس بن عاصم

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن قيس بن عاصم

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

قيس بن عاصم بن سنان المنقري التميمي هو صحابي جليل ومن سادات العرب وأشرافهم، وهو الذي قدم على رسول الله صلي الله عليه وسلم في السنة التاسعة من الهجرة، في وفد بني تميم فأكرمه رسول الله صلي الله عليه وسلم وقال له “هذا سيد أهل الوبر” وهو شاعر وفارس شجاع حليم كثير الغارات، مظفر في غزاوته، وقد أدرك الجاهلية والإسلام فساد فيهما وأسلم وحسن إسلامه، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه في حياته، وعمر بعده زمانا وروى عنه عدة أحاديث، وروى عنه الحسن، والأحنف، وخليفة بن حصين وابنه حكيم بن قيس، وهو قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر بن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، ويكنى أبا علي، وقيل أبو طلحة، وقيل أبو قبيصة، ولكن الأول أشهر.

 

وأمه هي أم أصعر بنت خليفة بن جرول بن منقر بن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، وكان قيس بن عاصم بن سنان عاقلا حليما مشهورا بالحلم، وقيل للأحنف بن قيس ممن تعلمت الحلم؟ فقال من قيس بن عاصم رأيته يوما قاعدا بفناء داره محتبيا بحمائل سيفه، يحدث قومه، إذ أتي برجل مكتوف وآخر مقتول، فقيل هذا ابن أخيك قتل ابنك قال فوالله ما حل حبوته، ولا قطع كلامه، فلما أتمه التفت إلى ابن أخيه فقال يا ابن أخي، بئسما فعلت، أثمت بربك، وقطعت رحمك، وقتلت ابن عمك، ورميت نفسك بسهمك، وقللت عددك، ثم قال لابن له آخر قم يا بني إلى ابن عمك، فحل كتافه، ووار أخاك، وسق إلى أمك مائة من الإبل دية ابنها فإنها عربية، وكما كان قيس بن عاصم قد حرم على نفسه الخمر في الجاهلية، وكان سبب ذلك أنه غمز عكنة ابنته وهو سكران، وسب أبويها.

 

ورأى القمر فتكلم بشيء، وأعطى الخمار كثيرا من ماله، فلما أفاق أخبر بذلك، فحرمها على نفسه، وقال في ذلك رأيت الخمر صالحة وفيها خصال تفسد الرجل الحليما، فلا والله أشربها صحيحا ولا أشفي بها أبدا سقيما، ولا أعطي بها ثمنا حياتي ولا أدعو لها أبدا نديما، فإن الخمر تفضح شاربيها وتجنيهم بها الأمر العظيما، وعن خليفة بن حصين، عن قيس بن عاصم أنه أسلم، فأمره النبي صلي الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر، وقيل أنه يرى كثيرون أن أول من وأد البنات من العرب هو قيس بن عاصم المنقري التميمي، لأنه خشي أن يخلف على بناته من هو غير كف لهن، وكان قد وأد ثماني بنات، وقال القلقشندي “إن العرب كانت تئد البنات خشية العار وممن فعل ذلك قيس بن عاصم المنقري وكان من وجوه قومه، ومن ذوي المال وسبب قتله لبناته أن النعمان بن المنذر غزا بني تميم بجيش.

 

فقام الجيش فسبوا ذراريهم فأنابه القوم وسألوه أن يحرر أسراهم فخير النعمان النساء الأسيرات فمنهن من اختارت أبوها فردها لأبيها ومن اختارت زوجها ردها لزوجها فاخترن آباءهن وأزواجهن، إلا امرأة قيس بن عاصم فاختارت الذي أسرها فأقسم قيس بن عاصم أنه لا يولد له ابنة إلا قتلها فكان يقتلهن” وجاء قيس بن عاصم إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقال ” يا رسول الله إني قد وأدت بنات لي في الجاهلية” فقال له “أعتق عن كل واحدة منهن رقبة” فقال يا رسول الله إني صاحب إبل، قال النبي صلي الله عليه وسلم “فانحر عن كل واحدة منهن بدنة” وفيها نزلت آية في القرآن الكريم وهي ” وإذا المؤدة سئلت بأي ذنب قتلت” وروى الأشهب عن الحسن، عن قيس بن عاصم المنقري أنه قدم على النبي صلي الله عليه وسلم فقال “هذا سيد أهل الوبر” فسلمت عليه وقلت يا رسول الله، المال الذي لا تبعة علي فيه?

 

قال صلي الله عليه وسلم “نعم، المال الأربعون، وإن كثر فستون، ويل لأصحاب المئين إلا من أدى حق الله في رسلها ونجدتها، وأطرق فحلها، وأفقر ظهرها، ومنح غزيرتها، ونحر سمينتها، وأطعم القانع والمعتر” فقلت يا رسول الله، ماأكرم هذه الأخلاق وأحسنها? قال صلي الله عليه وسلم ” يا قيس أمالك أحب إليك أم مال مواليك”? قال قلت بل مالي قال صلي الله عليه وسلم “فإنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو أعطيت فأمضيت، وما بقي فلورثتك” قال قلت يا رسول الله، لئن بقيت لأدعن عددها قليلا، قال الحسن ففعل، ويقول قيس بن عاصم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد بني تميم فقال لي اغتسل بماء وسدر ففعلت ثم عدت إليه فقلت يا رسول الله عظنا عظة ننتفع بها فقال صلى الله عليه وسلم.

 

“يا قيس إن مع العز ذلا وإن مع الحياة موتا وإن مع الدنيا آخرة وإن لكل شيء حسيبا وعلى كل شيء رقيبا وإن لكل حسنة ثوابا وإن لكل سيئة عقابا ولكل أجل كتاب وإنه لا بد لك يا قيس من قرين يدفن معك وهو حي وتدفن معه وهو ميت فإن كان كريما أكرمك وإن كان لئيما أسلمك ثم لا يحشر إلا معك ولا تبعث إلا معه ولا تسأل إلا عنه فلا تجعله إلا صالحا فإنه إن كان صالحا لم تأنس إلا به وإن كان فاحشا لم تستوحش إلا منه ألا وهو فعلك” ولكن أن هذا الحديث في الغرائب والاطراف، وهولا يصح، وقال الحسن البصري لما حضرت قيس بن عاصم الوفاة، دعا بنيه فقال يا بني، احفظوا عني، فلا أحد أنصح لكم مني، إذا أنا مت فسودوا كباركم، ولا تسودوا صغاركم، فتسفه الناس كباركم، وتهونوا عليهم، وعليكم بإصلاح المال، فإنه منبهة للكريم.

 

ويستغنى به عن اللئيم، وإياكم ومسألة الناس، فإنها آخر كسب المرء، ولا تقيموا علي نائحة، فإني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم نهى عن النائحة، ولا تدفنوني حيث يشعر بكر بن وائل فإني كنت أعاديهم في الجاهلية، وفيه يقول الشاعر عليك سلام الله قيس بن عاصم، ورحمته ما شاء أن يترحما، تحية من أوليته منك منة إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما، فما كان قيس هلكه هلك واحد، ولكنه بنيان قوم تهدما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى