مقال

الدكروري يكتب عن صور ومخاطر الفساد “جزء 9”

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن صور ومخاطر الفساد “جزء 9”

بقلم/ محمـــد الدكـــروري

 

وقال الملأ المضلون من قوم فرعون كما جاء فى سورة الأعراف ” أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك” وإن المرتبة الخامسة هى الإفساد الناشئ عن فساد الحكام والقادة والزعماء، وهو الفساد الأكبر، لأن الكبراء إذا فسدوا في أنفسهم فإنهم ينشرون الفساد بقوة نفوذهم واستخدام سلطاتهم وقوتهم وقد ذكر القرآن عن بلقيس قولها كما جاء فى سورة النمل “إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة، وكذلك يفعلون” وكثيرا ما يزعم الطغاة المتكبرون أن المصلحين هم أصحاب الفساد، كما قال فرعون عن موسى عليه السلام كما جاء فى سورة غافر ” إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد” هذا بالرغم من أن فرعون نفسه كان مكثرا من الإفساد بكل أنواعه، ولا تشفع له الأبراج العالية.

 

والأصنام المنصوبة والقبور المشيدة فيما يطلق عليه الحضارة الفرعونية، فإنها جميعا شواهد على استبداد وسيطرة وطغيان الفراعين الذين كانوا يطمعون أن ينقلوا معهم الثروات المسروقة من الشعوب المستضعفة إلى قبورهم، فقال الله تعالى فى سورة الفجر ” وفرعون ذي الأوتاد، الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد” وقد وصف القرآن الكريم فرعون بالعلو والإفساد في الأرض كما جاء فى سورة القصص ” إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا، يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم، إنه كان من المفسدين” ومثلما كان فرعون، مفسدا بنفوذه السياسي والعسكري، فقد كان قارون مفسدا بنفوذه المالي الاقتصادي، وقد كان قادرا على استعمال أمواله في الإصلاح في الأرض، ولكنه أبى إلا أن يستعمل نعمة الله في محاربة الله.

 

وقد قال له الناصحون من قومه كما جاء فى سورة القصص ” ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين، قال إنما أوتيته على علم عندي” وقد أوسع المتعالون من بني إسرائيل الأرض فسادا، فكلما زاد علوهم زاد فسادهم، فقال الله تعالى عنهم كما جاء فى سورة الإسراء ” وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيرا” وكثر فسادهم وإفسادهم حتى صار الإفساد ديدنهم، وصار طبيعة فيهم حتى أنهم لا يشعرون بذلك، فقال الله تعالى فى سورة البقرة ” وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون” ولم يفلح معهم العلاج، حتى الوحي المتنزل من السماء لم يمنعهم من الإفساد، بل كانوا يوغلون في الطغيان حتى فيما بينهم.

 

فصاروا ميؤوسا من صلاحهم واستحقوا أن يكونوا الأمة المغضوب عليها إلى يوم القيامة بسبب فسادهم وإفسادهم فقال الله تعالى فى سورة البقرة ” وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا، وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين” والفساد في بني إسرائيل لم يكن على مستوى الساسة والقادة والزعماء فقط، بل وصل إلى من يفترض أنهم يقفون في وجه الفساد إصلاحا وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر، فقد سكت علماء الضلالة فيهم عن إنكار المنكر، فقال الله تعالى فى سورة المائدة ” وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت، لبئس ما كانوا يفعلون، لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت، لبئس ما كانوا يصنعون”

 

فإن تلك المراتب الخمس للإفساد في الأرض، قد أحدثها ويحدثها البشر على هذا الكوكب، فالناس لا غيرهم من المخلوقات هم الذين ملأوا الأرض بالفساد حين ضلوا عن مناهج الوحي الإلهي عبر العصور، أما بقية مظاهر الحياة على الأرض فإنها تتأثر بفساد المفسدين من البشر تبعا، فقال الله تعالى فى سورة الروم ” ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون” وإن استفحال الفساد والإفساد في العالم يؤدي إلى مساوئ وآثار سلبية كبيرة ومتنوعة ومن هذه الآثار، هى آثار دينية، فإن الفساد سبب في نزول العذاب وحلول النقم من الله تعالى، وهناك أيضا آثار اجتماعية، حيث يزرع الفساد بذور التفرقة والعداوة والبغضاء بين الناس ويحطم كيان الأسر، وتتفاقم المشكلات الأسرية، وفيه إهدار لكرامة الفرد وعرضه، ويهدد النوع البشري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى