مقال

الدكروري يكتب عن المستمثر الوطني ” جزء 4″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن المستمثر الوطني ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ولكن سلف الأمة كانوا حريصين على تحري الحلال في كل شيء فعن عائشة رضي الله عنها، قالت “كان لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يوما بشيء، فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر وما هو؟ قال كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية، وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته، فلقيني فأعطاني بذلك هذا الذي أكلت منه، فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه” وإن البحث عن الحلال هو سبب من أسباب إجابة الدعاء فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال “يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم” وقال “يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم” ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر.

 

يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك ” رواه مسلم، ومعنا الوقفة مع الصحاب الجليل طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه فتقدر ثروته بمليوني درهم، ومائتي ألف درهم، ومن الذهب مائتي ألف دينار وكان دخله اليومي ألف درهم وزيادة، وكان من سخائه أنه سأله رجل أن يعطيه بما بينه وبينه من الرحم، فأعطاه أرضا قيمتها ثلاثمائة ألف درهم، وقيل أكثر من ذلك وكان لا يدع أحدا من بني قرابته القريبة والبعيدة إلا كفاه حاجته وقضى دينه وقيل في تقدير ثروته أكثر من ذلك، ففي طبقات ابن سعد بسند فيه الواقدي قال قتل طلحة وفي يد خازنه ألفا ألف درهم، ومائتا ألف درهم وقومت أصوله وعقاره بثلاثين ألف درهم، أي ثلاثمائة مليون درهم، وقال الذهبي تعليقا على ذلك أعجب ما مر بي قول ابن الجوزي في كلام له على حديث، قال وقد خلف طلحة ثلاثمائة حمل من الذهب.

 

وكما لنا الوقفة مع الصحابي الجليل الزبير بن العوام رضي الله عنه فقد بلغت ثروته من قيمة العقار الذي ورّثه خمسين مليونا، ومائتي ألف، حيث جاء في صحيح البخاري أن الزبير رضي الله عنه قتل ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين، منها الغابة وكان الزبير اشتراها بسبعين ومائة ألف، فباعها ابنه عبد الله بعد وفاته بألف ألف وستمائة ألف، أي باعها بمليون وستمائة ألف، وإحدى عشرة دارا في المدينة، ودارين في البصرة، ودارا في الكوفة، ودارا في مصر، وكان للزبير أربع نسوة، ورفع الثلث أوصى به لأولاد ابنه عبد الله فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف، فجميع ما له خمسون ألف ألف، ومائتا ألف، ومن حرصه رضي الله عنه على إعادة الديون إلى أصحابها أنه وقف يوم الجمل، فدعا ابنه عبد الله، وقال يا بني إن من أكبر همي لديني، أفترى يبقي ديننا من مالنا شيئا؟ فقال يا بني بع مالنا، فاقض ديني، فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدين.

 

فثلثه لولدك، وكان دينه الذي عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه، فيقول الزبير لا، ولكنه سلف، فإني أخشى عليه الضيعة، فبارك الله في عقاره الذي ورثه بسلامة نيته، وصدق أمانته، وتم بيعه بملايين الدراهم، فليعلم الإنسان أنه مسئول عن المال من أين وفيم؟ فقال الله تعالى في سورة التكاثر ” ثم لتسألن يومئذ عن النعيم” وقال صلى الله عليه وسلم “لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أن اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه” رواه البزار والطبراني، وإن من الإستمثار هو استثمار العمر وإن الوقت هو عُمر الإنسان، ورأس ماله في هذه الحياة ذلك أن كل يوم يمضي على الإنسان يأخذ من عُمره ويقرّبه إلى أجله، فكان حري بالعاقل أن يستغل ويمضي هذا الوقت الذي منحه الله إياه فيما يرضي ربه، وأن يحقق لنفسه السعادة في الدنيا والآخرة.

 

وفي هذا قال الحسن البصري ” يا ابن آدم إنما أنت أيام مجموعة كلما ذهب يوم ذهب بعضك ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل، وأنت تعلم فاعمل، فاليوم عمل بلا حساب وغدا حساب بلا عمل، ولقد نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشمس عند غروبها فقال “لم يبقي من دنياكم فيما مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه” رواه أحمد، والوقت ثمين بلحظاته، ويزيد نفاسة إذا لم يبقي منه سوى اليسير، والله أقسم به فقال تعالي “والعصر، إن الإنسان لفي خسر” ومن الناسِ من كتب الله له فسحة في العمر، ومنهم من يخطفه الأجل سريعا، وخير الناس من عاش في لحظاتها ليرتقي بها إلى آخرته، وإن الوقت من أغلى النعم على الإنسان، لأنه وعاء كل عمل وانتاج، فيحرم على المسلم تضييع وقته وهدره في أمور تضره ولا تنفعه، فمن جهل قيمة وقته ندم بعد فوات الأوان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى