مقال

الدكروري يكتب عن المستثمر الوطني ” جزء 9″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن المستثمر الوطني ” جزء 9″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

فإنه من السهل أن نجد مَن يصلي أو مَن يجعل نسكه وما يذبحه من الأنعام قربة وعبادة لله سبحانه وتعالى ولكن مَن منا قد جعل حياته ومماته وحركاته وسكناته وأقواله وأفعاله لله؟ فإذا سئلت هل تحب الله؟ ستكون الإجابة سريعة واضحة، ومَن منا لا يحب الله؟ ولكن الحب بالأفعال لا بالأقوال وحدها، والمحب الحقيقي لله سبحانه وتعالى هو مَن يطبّق ما جاء في هذه الآية، وقد يظن البعض أنه بالحفاظ على الفرائض والنوافل، يكون قد حقق المراد من الآية ولكن هل هذا صحيح؟ فإن التطبيق العملي للآية هو أن تراجع كل ما يصدر منك، فتجعله لله تحب في الله، وتبغض فيه، إذا أكلت كانت أكلتك لله، وإذا نمت أو ضحكت فلله، وإذا تحدثت فكلماتك تذكر كل مَن حولك بالله، وتستخدم كل وسيلة بين يديك لتعلن أنك عبد لله، خاضع له، متوجة إليه في كل صغيرة وكبيرة في حياتك، ليس هناك فصل بين الدين والدنيا فحياتك كلها مرتبطة بالدين.

 

ودنياك ما هي إلا تطبيق عملي لأوامر الدين، وزادك للجنة، تصلي وتعبد الله في المسجد، ثم تخرج من المسجد لتعبد الله في بيتك بحُسن عشرتك لزوجتك وولدك وأهلك، ثم تعبد الله في عملك بإتقانه، وتحري الحلال، وقضاء حوائج الناس بوجه بشوش أبعد ما يكون عن العبوس، وتعبده في الشارع بإماطة الأذى عن الطريق، وتعبده في تعاملاتك مع جيرانك ومَن عرفت ومَن لم تعرف، فإنه يُعرف أثر عبادتك وحبك لله من قدوتك ومَن تحب ومَن تكره فإذا كانت حياتك لله، فحبك لشخص إنما يكون بناء على علاقته بالله فلا تحب من أعلن عداوته للإسلام مهما بلغ أعلى منازل الدنيا، فهو وإن علت منزلته عند أهل الدنيا، فلا يساوي عند الله جناح بعوضة، ولا تشجع لاعبا يعلن عداءه للإسلام مهما كانت مهاراته فأين عقيدة الولاء والبراء؟ وهكذا في كل علاقاتك، تسمع عبارة أو خبرا، والجميع يصدق وينشر لكن أنت يا من جعلت حياتك لله تتثبّت أولا.

 

ولا تنساق وراء العواطف، ما يهمك رضى الله لا رضى الناس، تسلك طريق الحق، ولا يغرك قلة السالكين، إذا جعت أكلت من حلال، وإذا شبعت حمدت الله على نعمته، وتذكرت حال الفقير الجائع، فبادرت بالصدقة والإطعام، تراقب مزاحك وضحكاتك، فلا تقول إلا حقا، ولا تلمز، ولا تهمز، ولا تتلفظ بإهانة ولو على سبيل المزاح فلسانك لا ينطق إلا طيبا في جدك وهزلك، وفي رضاك وغضبك، مهما كانت مهنتك أو وظيفتك ربطتها بما ورد في كتاب الله وسُنة رسوله وتعاليم الإسلام، ليس فقط في تحري الحلال، والبُعد عن الحرام بل أيضا في حديثك عنها، فإذا كنت طبيبا بيّنت عظيم قدرة الله في خلقه، وإذا كنت مُحاضرا استشهدت بآيات الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم، وربطت ما تقوله بالدين مهما كان المجال الذي تتحدث عنه، وإذا كنت معلما في فصلك تشرح الكيمياء أو الفيزياء أو الرياضيات وغيرها من العلوم.

 

ذكرت تلامذتك بعظمة خلق الله، وما أودعه في مخلوقاته، تقطر كلماتك حبا لله، وتذكيرا له، ودعوة إليه، وإذا ضربت الأمثلة، وكتبت مسألة، جعلتها عن أمور تهم المسلم وتذكره بتعاليم دينه وقيمه، تتسامر وتضحك مع أصدقائك، فيتحدث أحدهم بعبارة، أو يحدث موقف فتبادر وتذكرهم بآية أو حديث أو قصة من السيرة أو سير السلف الصالح، تتقلب في نومك، فتذكر الله، ثم تكمل نومك، كل شيء تسمعه أو تراه أو يمر بك، تقف عنده متأملا، يذكرك بنعم الله وفضله فتحمده، أو تأخذ منه عظة فتعتبر، يقربك من الله، وينبهك إذا غفلت، وحدت عن الطريق يوما، فإذا سرت في مكان سبقك عبير أخلاقك، وجميل صفاتك، وكيف لا وخُلقك القرآن؟ وهذا هو المسلم ينبض قلبه بحب ربه، فتسارع جوارحه لتعبر عن ذلك الحب أينما حل، وكيفما كان، تتسابق الكلمات على لسانه ليذكر الناس بخالقهم، يراه الناس وكأنه قرآن يمشي على الأرض.

 

يود لو شعر الناس برياض الجنة التي تنعم بها روحه، فكن مثله تفوز ورب الكعبة بخيري الدنيا والآخرة، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حثنا على أخذ الأمور بجد وعزم فكان يستعيذ بالله من العجز والكسل فقال صلى الله عليه وسلم “اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال” وإن المطلوب من المسلم هو الجدية في التعامل وهي ضد الهزل، والتهاون والضعف والرخاوة وهي إنفاذ التكاليف الشرعية والدعوية توا مع المثابرة والدأب، وتسخير كل الإمكانات المتاحة ومغالبة الأعذار والعراقيل التي تعترض سبيلها لهذا فإنك ترى أن آيات القرآن تقول “إنه لقول فصل وما هو بالهزل” لتؤكد مدى تغلغل الجدية في أوامر القرآن الكريم، وكما أن هناك الجدية في طلب العلم، حيث قال الإمام مسلم في صحيحه قال يحيى بن أبي كثير لا ينال العلم براحة الجسم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى