مقال

الدكروري يكتب عن فإن الله عليم بالمفسدين “جزء 10”

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن فإن الله عليم بالمفسدين “جزء 10”

بقلم/ محمـــد الدكـــروري

 

فينبغي علينا أن نحارب الفساد سرا وجهرا بجميع الصور وبجميع الوسائل، وأن لا نجامل، وأن نعد هذه كارثة ومصيبة، إذا نزل البلاء فإنه يعم الصالح والطالح، وإن الدين الإسلامي الحنيف حارب الفساد منذ اليوم الأول لبعثة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم, فالإسلام ذاته ثورة ضد الفساد, بدءا من فساد العقيدة، فقد جاء ليحرر الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد, وجاء ليقضى على الأخلاق الذميمة والعصبيات الجاهلية, وينشر بدلا منها, الأخلاق القويمة الحميدة، وتكون العصبية للدين وحده, جاء ليقضى على كل مظاهر الفساد الاقتصادية والاجتماعية ويؤصل بدلا منها كل ما هو حسن وكل ما من شأنه أن ينهض بالأمة ويجعلها رائدة العالم كله، ولقد جاءت الشريعة الإسلامية السمحة لتحقيق مصالح العباد ودفع المفاسد عنهم.

 

وهذا هو الهدف من بعثة الأنبياء عليهم السلام، حيث كان الإصلاح هو سبيل أئمة المصلحين من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وهو منهجهم، وأضاف الله الإفساد إلى المنافق وقد اختلف أهل التأويل في معنى الإفساد الّذي أضافه الله عز وجل إلي هذا المنافق، فقال تأويله ما قلنا فيه من قطعه الطريق، وإخافته السبيل كما حدث من الأخنس بن شريق، وقال بعضهم بل معنى ذلك قطع الرحم وسفك دماء المسلمين، وقد يدخل في الإفساد جميع المعاصي، وذلك أن العمل بالمعاصي إفساد في الأرض، فلم يخصص الله تعالى وصفه ببعض معاني الإفساد دون بعض، وفي سياق التشريع القانوني وضعت أشد عقوبة وأقساها في الإسلام ضد المفسدين في الأرض، ولهذا قاوم الرسول صلى الله عليه وسلم المفسدين ونكل بهم وعاقبه أشد العقوبة.

 

فعن أنس بن مالك قال سألني الحجاج قال، أخبرني عن أشد عقوبة عاقب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال قلت قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم من عرينة من البحرين، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لقوا من بطونهم، وقد اصفرت ألوانهم وضمرت بطونهم، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها، حتى إذا رجعت إليهم ألوانهم وانخمصت بطونهم عمدوا إلى الراعي فقتلوه واستاقوا الإبل، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم ثم ألقاهم في الرمضاء حتى ماتوا” رواه البخاري ومسلم، وهذا في سياق من يقطعون الطريق أمام إعمار الأرض وإصلاحها وازدهارها، ويسعون في الأرض فسادا.

 

فلقد أوجب الإسلام على كل مسلم أن يسعى للإصلاح في الأرض لا للإفساد فيها، وهذا أمر الله عز وجل، وجاءت سنة النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبى الكريم صلى الله عليه وسلم قال “إذا أتيت على راع فناد ثلاث مرات، فإن أجابك وإلا فاشرب من غير أن تفسد، وإذا أتيت على حائط بستان فناد صاحب البستان ثلاث مرات، فإن أجابك وإلا فكل من غير أن تفسد” أحمد والحاكم، وفي مجال الإنفاق حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدم الإفساد في النفقة فعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئا ” رواه البخاري ومسلم.

 

وفي مجال الزواج حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، على التيسير في الزواج وحسن الاختيار حفاظا على الأعراض ودرءا لمفاسد العنوسة وتأخر الزواج وسدا لأبواب الحرام والفواحش، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض” رواه الترمذي، كما حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، على إصلاح ذات البين وحذرنا من فسادها لأنها تحلق الحسنات وتدمر المجتمع، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة” قالوا بلى، قال صلى الله عليه وسلم صلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة” رواه أبو داود والترمذي، وغير ذلك كثير من الأحاديث التي حفلت بها السنة المطهرة والتي تدعو إلى الإصلاح وتنهى عن الفساد في كل مجالات الحياة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى