مقال

الدكروري يكتب عن الإفساد في الأرض “جزء 4”

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإفساد في الأرض “جزء 4”

بقلم/ محمـــد الدكـــروري

 

وفي عرض الإسلام عليهم وتخييرهم بين الإسلام أو الجزية أو المعركة، أو في حسن معاملة الأسرى، أو عدم قتل النساء والأطفال والشيوخ والرهبان فإن هذه الأخلاق دفعت هؤلاء الناس يفكرون في هذا الدين الجديد الذى يحمله هؤلاء، وغالبا كان ينتهي بهم المطاف إلى الدخول في هذا الدين وحب تعاليمه، ومؤاخاة المسلمين الفاتحين في الدين والعقيدة، فإن هذه الأخلاق أثارت إعجاب الباحث الفرنسي كليمان هوارت حيث يقول لم يكن محمد نبيا عاديا، بل استحق بجدارة أن يكون خاتم الأنبياء، لأنه قابل كل الصعاب التي قابلت كل الأنبياء الذين سبقوه مضاعفة من بني قومه، فإنه نبي ليس عاديا من يقسم أنه ” لو سرقت فاطمة ابنته لقطع يدها “ولو أن المسلمين اتخذوا رسولهم الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قدوة في مكارم الأخلاق لأصبح العالم مسلما.

 

فعلينا جميعا أن نتحلى بحسن الخلق وبسط الوجه وحب الآخرين، وما أجمل قول ابن حبان عندما قال “الواجب على العاقل أن يتحبب إلى الناس بلزوم حسن الخلق، وترك سوء الخلق، لأن الخلق الحسن يذيب الخطايا كما تذيب الشمس الجليد، وإن الخلق السيء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل، وقد تكون في الرجل أخلاق كثيرة صالحة كلها، وخلق سيئ، فيفسد الخلق السيئ الأخلاق الصالحة كلها” وإن العامل الأساسي في قيام الحضارات والفتوحات وبناء الدولة الإسلامية في العصور والقرون الأولى هو الأخلاق، يوم أن كان الفرد يحب لأخيه ما يحبه لنفسه يوم أن كان الفرد يؤثر غيره على نفسه، يوم أن كان العدل سائدا في ربوع المعمورة يوم أن كانت المساواة في كل شئون الحياة تشمل جميع الطبقات.

 

يوم أن قدمت الكفاءات والقدرات والمواهب، وغيره الكثير والكثير، فإننا في حاجة إلى أن نقف وقفة مع أنفسنا وأولادنا وأهلينا في غرس مكارم الأخلاق والتحلي بها فنحن نحتاج إلى نولد من جديد بالأخلاق الفاضلة، نحتاج إلى نغير ما في أنفسنا من غل وحقد وكره وبخل وشح وظلم وقهر ودفن للقدرات والمواهب إلى حب وتعاون وإيثار وعدل ومساواة ورفع الكفاءات إذا كنا نريد حضارة ومجتمع وبناء دولة، فهل لذلك أذن واعية ؟ وإن من وسائل البعد عن الفساد هو وسائل اكتساب الأخلاق، فقد يقول قائل كيف أكتسب تلك الأخلاق الحسنة وأطبقها؟ فأقول بأن هناك وسائل لتحصيل حسن الخلق وهى تتمثل بالدعاء بحسن الخلق، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بذلك فكان يقول.

 

” واهدنى لأحسن الأخلاق لا يهدى لأحسنها إلا أنت، واصرف عنى سيئها لا يصرف عنى سيئها إلا أنت ” رواه الترمذى، وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ من سوء الخلق فكان يقول ” اللهم إنى أعوز بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق ” رواه أبو داود والنسائي، لذلك اهتم الصحابة بحسن الخلق وطلبه من الله، فعن أم الدرداء قالت بات أبو الدرداء الليله يصلى فجعل يبكى ويقول ” اللهم أحسنت َخلقى فأحسن ُخلقى، حتى أصبح، فقلت يا أبا الدرداء ما كان دعاؤك منذ الليله إلا فى حسن الخلق، قال يا أم الدرداء إن العبد المسلم يحسن خلقه حتى يدخله حسن الخلق الجنه ويسوء خلقه حتى يدخله سوء خلقه النار ” وأيضا من وسائل تجنب الفساد هو سلامة العقيدة فالسلوك ثمرة لما يحمله الإنسان من فكر ومعتقد، وما يدين به من دين.

 

والانحراف في السلوك ناتج عن خلل في المعتقد، فالعقيدة هي الإيمان، وأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا فإذا صحت العقيدة حسنت الأخلاق تبعا لذلك فالعقيدة الصحيحة تحمل صاحبها على مكارم الأخلاق، كما أنها تردعه عن مساوئ الأخلاق، وكذلك المداومة على العبادة والطاعة لأن الإسلام لم يشرع العبادات بكافة صورها طقوسا ولا شعائر مجردة من المعنى والمضمون، بل إن كل عبادة تحمل في جوهرها قيمة أخلاقية مطلوب أن تنعكس على سلوك المسلم المؤدي لهذه العبادة، وأن تتضح جليا في شخصيته وتعاملاته مع الغير، ولو طوفنا حول جميع العبادات لوجدنا الهدف منها هو تهذيب الأخلاق وتزكيتها فالعبادة علاقة بينك وبين ربك، أما السلوك فهو علاقة بينك وبين الناس، ولابد أن تنعكس العلاقة بينك وبين ربك على العلاقة بينك وبين الناس، فتحسنها وتهذبها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى