مقال

الدكروري يكتب عن الإمام ابن العربي ” جزء 3″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام ابن العربي ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وفي سنه ألف ومائتان وأربعة عشر من الميلاد زار مكة ووجد عدد من فقهائها الدساسين قد جعلوا يشوهون سمعته لسبب القصائد التي نشرها في ديوانه الرمزي منذ ثلاثة عشر عاما فرحل إلى دمشق عائدا، وبعد ذلك رحل الي حلب واقام فيها مدة من الزمن معززا مكرما من أميرها، وأخيرا أقام في دمشق حيث كان أميرها أحد تلاميذه ومن المؤمنين بعلمه ونقائه وعاش حياته في دمشق يؤلف ويعلم وكان واحدا من كبار العلماء بين أهل العلم والفقه في دمشق، وألتقى به عدد كبير من العلماء والطلاب من جميع أنحاء المعمورة ومن أبرزهم الشيخ جلال الدين الرومي صاحب المثنوي، وفي دمشق دون وكتب مراجعاته ومؤلفاته وكان له مجلس للعلم والتصوف في رحاب مجالس دمشق وبين علماء الفقه والعلم بدمشق ومدارسها، ومن أهم كتب ابن العربي هو قائمة مخطوطات ابن عربي فيه أكثر من سبع وستين مخطوط من كتبه قد كتب قبل ثماني وأربعة عشر.

 

وكتاب تفسير ابن عربي ويضم تفسيره للقرآن، وكتاب الفتوحات المكية، المكوُن من سبع وثلاثين سفر وخمسمائة وستين باب، الذي وُصف بأنه من النصوص الصوفية الموغلة في التعمق وان لغته رمزية وبها إشارات الهية، له نشرة علمية محققة متقنة، بتحقيق الدكتور عثمان يحيى، وكتاب فصوص الحكم، الذي أثار جدلا كبيرا في وقته ولازال مصدرا للجدل، وديوان ترجمان الأشواق، الذي خصصه لمدح نظام بنت الشيخ أبي شجاع بن رستم الأصفهاني التي عرفها في مكة سنة خمسمائة وثماني وتسعين من الهجرة، عندما قدم إليها لأول مرة قادما من المغرب، وكتاب شجرة الكون، ويتحدث فيه عن الكون مشبها اياه بشجرة اصلا كلمة “كن” وكتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام، وكتاب اليقين، الذي تناول موضوع اليقين الذي حير عديد من فلاسفة ذلك العصر الإنسان الكامل، وتعتبر عقيدة الإنسان لقبا شرفيا أطلق على ابن عربي.

 

بالرغم من النزاع والخلاف الدائر حول أصل هذه الفكرة، فهي متأصلة في الإسلام، وتحديدا عن الصوفيين وابن عربي هو أول من صاغ هذا المصطلح، حيث أشار في عمله كتاب فصوص الحكم إلى كون آدم هو الإنسان الكامل صافي الفطرة، وكانت هذه الفكرة شائعة في الصوفية، لكن ابن عربي تعمق في تحليلها، حيث ناقش خلال تطويره شرحا للإنسان الكامل قضية الوحدانية، مستعملا المرآة كاستعارة، وفي هذه الاستعارة الفلسفية، يقارن ابن عربي بين انعكاس كيان ما في عدد لا يحصى من المرايا، وبين علاقة الله مع مخلوقاته حيث رأى أن جوهر الإله كامن في وجود الإنسان، أي أن الله تعالي هو الكيان والبشر هم المرايا وبما أن البشر ليسوا سوى انعكاسات لله، فلا يمكن الفصل بين الاثنين، فبدون الله لم تكن المخلوقات لتوجد، وعندما يفهم المرء أن لا فاصل بين الإنسان والله، فعندها سيبدأ طريق الوحدانية المطلقة.

 

وعن طريق البحث عن حقيقة هذه الوحدانية داخل المرء، سيصل الإنسان بذلك إلى اتحاد مع الله، وهكذا، سيصلح ويشذب وعيه الذاتي، ومن أقوال ابن عربي، أنه قال من قال بالحلول فدينه معلول، وما قال بالاتحاد إلا أهل الإلحاد، كما قال أن الله تعالى واحد بالإجماع، ومقام الواحد يتعالى أن يحل فيه شيء أو يحل هو في شيء أو يتحد في شيء، وقال لو صح ان يرقى الإنسان عن انسانيته والملك عن ملكيته ويتحد بخالقه تعالى، لصح انقلاب الحقائق وخرج الإله عن كونه إله، وصار الحق خالقا، والخلق حقا، كما قال الحكم نتيجة الحكمة، والعلم نتيجة المعرفة، فمن لا حكمة له لا حكم له، ومن لا معرفة له لا علم له، كما قال”فإذا سمعت احدا من أهل الله يقول أو ينقل إليك عنه أنه قال الولاية أعلى من النبوة، فليس يريد ذلك القائل الا ما ذكرناه أو يقول ان الولي فوق النبي والرسول فأنه يعني بذلك في شخص واحد وهو أن الرسول من حيث أنه ولي أتم منه.

 

من حيث أنه نبي ورسول لا أن الولي التابع له أعلى منه فإن التابع لا يدرك المتبوع أبدا فيما هو تابع له فيه إذ لو أدركه لم يكن تابعا فافهم” كما قال لا تعترضوا على المجتهدين من علماء الرسوم ولا تجعلوهم محجوبين على الإطلاق فإن لهم القدم الكبيرة في الغيوب وإن كانوا غير عارفين وعلى غير بصيرة بذلك ويحكمون بالظنون، وكان من العلماء المؤيدون له هو ابن حجر الهيتمي الشافعي حيث قال الذي أثرناه عن أكابر مشايخنا العلماء الحكماء الذين يُستسقى بهم الغيث، وعليهم المعوّل وإليهم المرجع في تحرير الأحكام وبيان الأحوال والمعارف والمقامات والإشارات، أن الشيخ محي الدين بن عربي من أولياء الله العارفين ومن العلماء العاملين، وقد اتفقوا على أنه كان أعلم أهل زمانه، بحيث أنه كان في كل فن متبوعا لا تابعا، وأنه في التحقيق والكشف والكلام على الفرق والجمع بحر لا يجارى، وإمام لا يغالط ولا يمارى، وأنه أورع أهل زمانه وألزمهم للسنة وأعظمهم مجاهدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى