مقال

الدكروري يكتب عن التحرر من الخضوع للخرافات والدجل

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن التحرر من الخضوع للخرافات والدجل

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن رحمات الله عز وجل وبركاته وكرمه على عباده جعلت فعل الخيرات هو من الصدقات، وجعل صلاة ركعتي الضحى تعدل هذا المطلوب الكبير من الصدقات، وسدادا للدين الواقع عليك في صبيحة كل يوم، وما سداد هذا الدين إلا من فعل الخيرات الذي تؤجر عليه، فافعلوا الخير مهما دق في أعينكم، ومهما قل أو صغر عندكم، فإنه عند الكريم سبحانه وتعالى مضاعف كبير، يجزيك ربك بأحسن منه، وإياك ثم إياك أن يُلبّس عليك الشيطان، وأن تلبس عليك نفسك الأمارة بأن هذا العمل صغير، وهذا الخير قليل لا داعي لعمله لأنه لا أجر كبيرا عليه، بل افعل الخير مهما قلّ، كما ينصحك بذلك نبيك صلى الله عليه وسلم، ولقد حرر النبى صلى الله عليه وسلم عقول البشر بوحي من الله من الخضوع للخرافات والدجل والارتهان للأصنام والمعبودات الباطلة أو التصديق بأفكار مناقضة للعقل كالقول بأن لله ابنا من البشر، وبأنه ضحّى به دون خطيئة.

 

أو ذنب منه فداء للبشر، ولقد خيّم على العقل العربي قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كثير من الاعتقادات والأساطير التي تناقض العقول السليمة التي لا تقبل ما لم يتوافق معها، ومن أهم ما اعتقده الجاهليون دون إعمال للفكر والعقل هو اعتقاد النفع والضر في حجارة وأخشاب منحوتة بالأيدي، عبدوها مع الله أو من دونه، وخافوا من انتقامها بزعمهم وخوفوا الأتباع الذين بدورهم عطلوا عقولهم عن إدراك الخطأ من الصواب في مثل تلك الاعتقادات، فأرسل الله النبي صلى الله عليه وسلم بدين الإسلام الذي كرم الإنسان بالعقل وجعله مناط التكليف بواجبات الدين وأوامره ونواهيه، ورفع الإصر والمؤاخذة عن المجنون الذي فقد عقله، والصغير الذي لم يكتمل نموه العقلي، كما دعا وحث بل وجازى على إعمال العقل في البحث عن حقائق الكون والعلوم، ونهى وحرّم كل ما من شأنه أن يؤثر على العقل كالمسكرات بأنواعها.

 

وأول ما بدأ الإسلام بتطهيره من الخرافات والدجل هو العقيدة التي خاطبت العقل لإقناعه بصواب الحق الذي جاء به القرآن، وبطلان ما عليه الجاهليون من اعتقادات باطلة كاعتقاد تعدد الآلهة، من ذلك قوله تعالى فى سورة المؤمنون ” ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون” فهذا البرهان الباهر بهذا اللفظ الوجيز البين فيه أن الإله الحق لا بد أن يكون خالقا فاعلا، يوصل إلى عابده النفع ويدفع عنه الضر، فلو كان معه سبحانه إله لكان له خلق وفعل وحينئذ فلا يرضى بشركة الإله الآخر معه بل إن قدر على قهره وتفرده بالإلهية دونه فعل، وإن لم يقدر على ذلك انفرد بخلقه وذهب به كما ينفرد ملوك الدنيا عن بعضهم بعضا بممالكهم وإذا لم يقدر المنفرد على قهر الآخر والعلو عليه فلا بد من أحد أمور ثلاثة؟ إما أن يذهب كل إله بخلقه وسلطانه، وإما أن يعلو بعضهم على بعض.

 

وإما أن يكون كلهم تحت قهر إله واحد وملك واحد يتصرف فيهم ولا يتصرفون فيه، وإن فى انتظام أمر العالم العلوي والسفلي، وارتباط بعضه ببعض، وجريانه على نظام محكم لا يختلف ولا يفسد، من أدل دليل على أن مدبره واحد لا إله غيره، فكما يستحيل أن يكون للعالم ربّان خالقان متكافئان، يستحيل أن يكون له إلهان معبودان، فهذا الإحكام في سياق الدليل على صحة ما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم من التوحيد، وكون الرب واحدا، وهو المعبود بحق وحده دون سواه، هو أقبل في عقول العقلاء، بخلاف ما ادعي من أن الإله ثالث ثلاثة، أو أن الأصنام تشاركه في ربوبيته، واستحقاقه للعبادة وحده، فأي شيء أعظم من هذا التوحيد الواضح البين الذي لم تكن تعرفه البشرية يوم بُعث نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم وأي عقيدة في الله أوفق للعقل والنظر الصحيح من هذه العقيدة؟ إن الأماني تولد العجز والكسل ثم الحسرة والندم.

 

والمتمني يفوّت على نفسه مواجهة الحقيقة بعقله وعمله ويخدر نفسه بالأماني والأحلام ولا يفيده هذا في شيء، وليس هناك أتعس من الذي يعين الشيطان على نفسه باستدعاء الخواطر السيئة وإمعان التفكير فيها إلى أن تتحول إلى شهوة، فعمل، فعادة، ولذا كان لا بد من إصلاح الخواطر بتفريغ القلب من الهواجس السيئة وملئه بالصلاح وما يرضي الله عز وجل، وبمفارقة دواعي الحرام ومواطنه الحسية وباستحضار العواقب والعقوبات في الدنيا والآخرة، وإن من أخطر ما يبتلى به الإنسان الإدمان، والإدمان يكون في أشياء كثيرة مثل التدخين وشرب الخمر وتعاطي المخدرات وتصفح الإنترنت، والاستغراق في الألعاب الإلكترونية ومشاهدة التلفزيون، وأول خطوة في معالجة الإدمان إدراك الإنسان أنه مريض أو أنه واقع في ورطة، وأنه يحتاج إلى علاج وحل، وأن العلاج يحتاج إلى إرادة وعزيمة وأنه سيكون مصحوبا غالبا بشيء من الألم وأنه لا بد للفطام من ثمن.

 

وإن من وسائل الصلاح هو تنمية حب الله عز وجل في النفس، وتعويدها طاعته وعدم النظر إلى صغر المعصية، بل النظر إلى عظمة الله عز وجل الناهي عنها وترك الذنوب وعدم الجهر بها، ومجالسة الأخيار والبعد عن الأشرار، وإصلاح الخواطر والمسارعة في الخير والتوبة إلى الله توبة نصوحا وترك اليأس، ودوام الاستغفار، وإتباع السيئة الحسنة، وعدم تعيير الناس بالذنوب بل إعانتهم على التوبة ودعوتهم إلى طاعة الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة وبالقدوة الصالحة، ولقد ميز الله الإنسان عن غيره من المخلوقات بنعمة العقل، والذي يستطيع أن يميز به بين النافع والضار، والمصلحة والمفسدة، ويدرك به التكاليف الشرعية، ويتدبر به الآيات القرآنية، ويفهم به الأحاديث النبوية، ويجتهد به في أموره الدنيوية فهو واسطة لا غنى للإنسان عنها في إدراك أمور دينه ودنياه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى