مقال

الدكروري يكتب عن الإسلام وتطييب النفوس ” جزء 1″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإسلام وتطييب النفوس ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن في البلاء تقوية للإيمان بالقضاء والقدر، فما من شيء في السماوات ولا في الأرض إلا وهو ملك لله عز وجل، وما من شيء يحدث في ملكه إلا بمشيئته وإرادته فبيده الملك، وبيده مقاليد السماوات والأرض، وما من شيء يحدث من رخاء أو شدة، أو خوف أو أمن، أو صحة أو مرض، أو قلة أو كثرة، فكل ذلك بمشيئته سبحانه وتعالى، والإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان الستة التي لا يتم الإيمان إلا بها، وإن الموت هو الحقيقة الواضحة الظاهرة التي لا ينكرها أحد وإن الموت قد كتبه الله عز وجل علي كل حي ولكن هل بعد الموت باقية أم هل ينتهي كل شيء للإنسان ؟ وإن من تأمل بعين العبرة والبصيرة، في حال الناس هذه الأيام، وما هم فيه من امتحانات ومحنة، وكلهم ينتظر انفراج هذه الأيام وانتهائها، وإن من تأمل ذلك علم أن هذه الدنيا لا يستقر حالها على سعة ورخاء دائم، وإنما هي ابتلاء وامتحان، وفرج وشدة.

 

وكل إنسان في هذه الدنيا تمر به محن وبلايا، ومصائب ورزايا، بينما هو في رخاء إذ نزلت به شدة، وبينما هو في عافية وسعة إذ فجأه مرض وسقم، أو لعله كان في سعة رزق ورخاء ثم يبتلى بفقر مدقع أو دين مضلع، آلام تضيق بها النفوس، ومزعجات تورث الخوف والجوع، وإن خلق المواساة، والتطييب الناس بحاجة إليه عند فقد الأحبة، والنبي صلى الله عليه وسلم حينما ذهب يعزي صحابيا على فقد ولده الوحيد، الذي كان يأتي ويلعب في حجره في الدرس، أيسرك أنه عندك؟ أو أنك لا تأتي إلى باب من أبواب الجنة إلا ووجدته قد فتحه سبقك إليه يفتحه لك” وحين توفيت بنت المهدي الخليفة، جزع جزعا لم يسمع بمثله، فجاء الناس يعزونه بلا فائدة، حتى جاء رجل، فقال له أعطاك الله يا أمير المؤمنين على ما رزئت أجرا، وأعقبك خيرا، ولا أجهد بلاءك بنقمة، ولا نزع منك نعمة، ثواب الله خير لك منها، ورحمة الله خير لها منك، فلم يروا تعزية أبلغ.

 

ولا أوجز منها، وعزى أعرابيا رجل فقد ولده، وكان اسم الولد العباس، فقال له خير من العباس أجرك بعده والله خير منك للعباس فإذن صبرك عليه خير من بقائه عندك، وما عند الله خير له مما عندك، هذا يُذهب ثلاثة أرباع الحزن، المواساة الجميلة، والتعزية الحسنة، ثم من تطييب الخاطر أن يقبل الإنسان عذر المعتذر الذي أخطأ عليه، فاقبل معاذير من يأتيك معتذرا، إن بر عندك فيما قال أو فجرا، فحتى لو كذب في الاعتذار، فقد أطاعك من يرضيك ظاهره وقد أجلك من يعصيك مستترا، فإن قبول الاعتذار من تطييب الخواطر، وإهداء الهدية من تطييب الخواطر، فقال أنس بن مالك لأولاده يا بني تبادلوا بنيكم، فإنه أود لما بينكم، وكذلك بشاشة، وطلاقة وجه، وقضاء حاجة، لا يأنف المؤمن أن يمشي مع الأرملة والمسكين، وقال حكيم ما أصبحت قط صباحا لم أر طالب حاجة إلا أعددتها مصيبة، ترك قضاء حقوق الإخوان مذلة، وفي قضاء حقوقهم رفعة.

 

وقيل أن بقيّ بن مخلد الإمام المصنف في الحديث العظيم مشى مع ضعيف في مظلمة إلى اشبيلية، ومشى مع آخر إلى إلبيرة، ومع امرأة ضعيفة إلى جيان، وهذه من مدن الأندلس، من بلد إلى بلد مشى، فإن تطييب خاطر المشارك في الخير حتى لو كانت مشاركته يسيرة بدعاء، وحسن قبول، إن ذلك مما يرفع من معنوياته، ومما يحمسه على الخير، وقيل أراد حسان بن سعيد المخزومي أن يبني جامعا، فأتته امرأة بثوب لتبيعه، وتنفق ثمنه في بناء ذلك الجامع، وكان الثوب لا يساوي أكثر من نصف دينار، فطيب خاطرها، واشتراه منها بألف دينار، وخبأ الثوب كفنا له، وكان القعقاع بن ثور إذا قصده رجل وجالسه، جعل له نصيبا من ماله، وأعانه على عدوه، وشفع له في حاجته، وغدا إليه بعد المجالسة شاكرا، فاتقوا يوما لا يجزي والد عن ولده، ذلك يوم الحشر، أوله أن يحشر الناس من أقطار الأرض إلى الشام، والله أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب.

 

من ديارهم في المدينة لأول الحشر في الشام، تمهيدا للحشر الأعظم الذي يكون يوم الدين، فيحشر الناس جماعات، فيقول الله عز وجل فى سورة الزمر ” وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا” وكذلك ” وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا” أما أهل النار، فيساقون بدفع وإهانة، وينهرون نهرا غليظا، تسوقهم الملائكة في ذلك اليوم، فيساقون إلى جهنم جماعات مع أشباههم ونظرائهم، وهكذا حتى يردون جهنم عطاشا، ويساق أصحاب الكبائر معا، فالزاني مع الزناة، والمرتشي مع المرتشين، والسارق مع السرّاق، وهكذا الكذاب مع الكذابين، فيقول الله تعالى فى سورة الصافات “احشروا الذين ظلموا وأزواجهم” أى نظرائهم، وأشباههم، ومن هو على شاكلتهم، يساقون إلى النار سوقا، وما هي من الظالمين ببعيد، ويساقون، سوق البهائم مشاة، عطاشا، فيقول تعالى فى سورة مريم ” يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا” ومعنى وردا أي عطشانين، ويحشرون على وجوههم إذلالا لهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى