مقال

الدكروري يكتب عن نضوج الدعوة العباسية ” جزء 9″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن نضوج الدعوة العباسية ” جزء 9″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وأيضا هناك مملكة الشايقية حيث قامت في شمال السودان، وهم أبناء عمومة الجعليين، ويرجع نسبهم إلى شايق بن حميدان، أحد أحفاد إبراهيم جعل وهو الجد الجامع لقبائل الجعليين العباسية، ابن الأمير إدريس بن قيس، الذي ينتهي نسبه إلى العباس بن عبدالمطلب مباشرة، دون أن يكون من ذرية أحفاد الخلفاء، وقد أعلن الشايقية استقلالهم عن سلطنة سنار في القرن السابع عشر، واستمرت مملكتهم حتى عام ألف وثماني مائة وإحدي وعشرين ميلادي، حيث سقطت على يد محمد علي باشا أثناء غزوه للسودان، وأيضا مملكة بهاولبور، وقد قامت في السند عام ألف وسبعمائة واثنين ميلادي على يد الأمير محمد المبارك خان الأول، ويعود استقرار بعض القبائل العباسية في الهند إلى بداية العهد العباسي، وهم من المنتسبين مباشرة للعباس بن عبد المطلب، دون المرور بالخلفاء وقد تميزت مملكتهم بالرفاه الاقتصادي والاهتمام بالعلوم والآداب، خصوصا العلوم الشرعية.

 

ولم يتم القضاء بواسطة الحرب على هذه الإمارة، بل إنه، وفي أعقاب استقلال الهند عام ألف وتسعمائة وسبع وأربعين ميلادي، وتقسيمها إلى دولتين هما الهند وباكستان، واختار آخر الأمراء العباسيين في بهاولبور الانضمام طوعا إلى باكستان في الخامس من أكتوبر عام ألف وتسعمائة وسبع وأربعين ميلادي، وأيضا إمارة بستك العباسية، وهي تأسست عام ألف وستمائة وثلاث وسبعين ميلادي على يد الأمير عبد القادر بن الحسن، وهو أحد أحفاد هارون الرشيد، وشملت منطقة الأهواز وضفاف الخليج العربي على الجانب الإيراني من الخليج، وقد توالى على حكمها أحد عشر أميرا، حتى قضى عليها شاه إيران محمد رضا بهلوي عام ألف وتسعمائة وسبع وستين ميلادي، فكانت بذلك آخر دولة حكمت من قبل السلالة العباسية، وقد انتقلت الأسرة الحاكمة إلى المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، وكان نظام الحكم في الدولة العباسية يستمد شرعيته من الإسلام.

 

ويتمثل ذلك بشخص الخليفة الذي هو، وفق المعتقدات الدينية الإسلامية، خليفة النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم مباشرة، ويحكم من خلال الشريعة التي أرساها صلي الله عليه وسلم وينصّ النظام الإسلامي على أن يتم إختيار الخليفة من قبل وجهاء الدولة والمجتمع، بطريقة تشبه الانتخاب، وذلك مدى الحياة إذا التزم بالحق والعدل، ولم يخن الأمانة الموكلة إليه كخليفة، غير أن هذه الطريقة لم تطبق أبدا منذ العهد الأموي حيث أخذ الخلفاء بتعيين ولي للعهد، بل إن بعضهم عمدوا إلى تسمية أكثر من ولي للعهد في وقت واحد، ما أسهم في نشوب الصراع المسلح بين ولاة العهد، كما حصل بين الأمين والمأمون، وهناك من يشير إلى كون الخلافة منصبا دينيا لا دنيويا، أو جامعا بين الطرفين، انطلاقا من ذلك وكان الخلفاء العثمانيون ينادون بصيغة خليفة المسلمين وسلطان العثمانيين، أي إن الخليفة هو رأس الهرم والإمام الأول دينيا، ويمكن ألا يجمع في منصبه هذا صفة الحكم.

 

غير أن عددا آخر من الباحثين يرفض هذه الفكرة، لكون النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم قد جمع في وقت واحد بين الزعامتين الدينية والسياسية، وعلى الرغم من النظريتين المتناقضتين فإن الخلفاء العباسيين قد طبقوهما كليهما إذ قد جمعوا بين الزعامة الدينية والزعامة السياسية خلال عهودهم الذهبية، ثم عادوا في عصور الانحطاط ليشكلوا رمز الدولة فحسب، بما يشبه الجمهوريات البرلمانية في العصر الراهن، ورغم كون أغلب خلفاء آل العباس سواء في بغداد أم في القاهرة، لم يتمتعوا بالسلطة، حاول عدد منهم القبض على زمامها كما فعل المتوكل على الله، أو كتب بعضهم طوعا أو كرها تنازلا للسلطان عن صلاحيات الملك كما فعل المستنصر بالله الثاني، ما يدل على أن النظرية الثانية كانت الأكثر انتشارا في العصر العباسي، قبل أن تكرّس النظرية الأولى خلال العهد العثماني، أما الخليفة فعندما كان ممسكا بقبضة الحكم، كان مطلق الصلاحية.

 

باستثناء الحدود والضوابط التي وضعتها الشريعة الإسلامية، وإن كان هناك تفاوت واضح في نسب الالتزام بهذه الحدود، حسب كل خليفة، وكان أول لقب حازه الرجل الثاني في الدولة العباسية هو وزير، وقد كانت مهمة الوزير خلال عهد القوة العباسية مساعدة الخليفة في إدارة شؤون البلاد، والإشراف على تنفيذ ما يقرره الخليفة فقط لاحقا، ونتيجة تولي قادة الجيش الأتراك الوزارة، مال ولاء الجيش من شخص الخليفة إلى شخص قائدهم الوزير، وبالتالي مال ميزان قوة التأثير من الخليفة إلى وزيره الذي أصبح لقبه السلطان، وبات في بعض الأحيان يحصر مهام السلطنة بذريته فقط، ولم يكتفي السلاطين بذلك فقد احتكروا السلطة فعليا، وقاموا هم لا الخلفاء، بتسيير شؤون البلاد والدولة، بل إن كثيرا من الخلفاء قضوا قتلا أو اغتيالا على أيدي سلاطينهم كما حصل مع كل من المتوكل على الله، والمسترشد بالله،والمعتز بالله، والمقتدر بالله وغيرهم، ولم يكن منصب السلطان واحدا فقط خلال عهود ضعف الدولة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى