مقال

الدكروري يكتب السكوت علامة الرضا ” جزء 4″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب السكوت علامة الرضا ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونقل الحافظ في الفتح، عن ابن عبدالبر قوله “الأخت الضرة، وفيه من الفقه أنه لا ينبغي أن تسأل المرأة زوجها أن يطلق ضرتها لتنفرد به” وقال الشوكاني في كتابه النيل “ومن الشروط التي تنافي مقتضى العقد أن تشترط عليه أن لا يقسم لضرّتها أو ينفق عليها، أو يُطلق مَن كانت تحته، فلا يجب الوفاء بشيء من ذلك” أما غير ذلك من الشروط، فلا ضير فيه، ما دام لا يُحرّم حلالا، ولا يُحلّ حراما، لما رواه عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إن أحق الشروط أن توفوا بها، ما استحللتم به الفروج” وقال ابن القيم في كتابه الزاد “تضمن هذا الحكم وجوب الوفاء بالشروط التي شرطت في العقد، إذا لم تتضمن تغييرا لحكم الله ورسوله، وقد اتفق على وجوب الوفاء بتعجيل المهر أو تأجيله، وعلى عدم الوفاء باشتراط ترك الوطء والإنفاق والخلو من المهر ونحو ذلك، واختلف في شرط الإقامة في بلد الزوجة، وشرط دار الزوجة، ولا يتزوج عليها”

 

وقال “وتضمن حكمه صلى الله عليه وسلم بطلان اشتراط المرأة طلاق أختها، وأنه لا يجب الوفاء به، فإن قيل فما الفرق بين هذا وبين اشتراطها أن لا يتزوج عليها حتى صححتم هذا، وأبطلتم شرط طلاق الضرة؟ قيل الفرق بينهما أن في اشتراط طلاق الزوجة من الإضرار بها، وكسر قلبها، وخراب بيتها، وشماتة أعدائها ما ليس في اشتراط عدم نكاحها ونكاح غيرها، وقد فرّق النص بينهما، فقياس أحدهما على الآخر فاسد” ومن الحقوق أيضا هو أن يراها الخاطب وينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها، فيتعرّف على جمالها الذي يشده إلى الاقتران بها، أو قبحها الذي قد يصرفه عنها إلى غيرها، فلربما تزوجها دون أن ينظر إليها، فوجدها خلاف ما وُصفت له فيصاب بخيبة أمل وانقطاع رجاء، فتسوء الحال بينهما، ويحلّ الخصام محل الوئام، ويكون الفشل والفرقة خاتمة ما بينهما، وهكذا شأن المسلم دوما لا يقدم على أمر حتى يكون على بصيرة منه.

 

وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل، قال فخطبت امرأة فكنت أتخبّأ لها، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها، فتزوجتها” وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال كنت عند رسول الله، فأتاه رجل فأخبره أنّه تزوّج امرأة من الأنصار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنظرت إليها؟ قال لا، قال “فاذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئا” وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، أنه خطب امرأة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم “انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما” قال فأتيتها وعندها أبواها، وهي في خدرها، فقلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر إليها، قال فسكتا، قال فرفعت الجارية جانب الخدر فقالت أحرّج عليك، إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تنظر لمّا نظرت.

 

وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمرك أن تنظر فلا تنظر، قال فنظرت إليها، ثم تزوجتها، فما وقعت عندي امرأة بمنزلتها، ولقد تزوّجت سبعين أو بضعا وسبعين امرأة، وعن أبي حميد قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا خطب أحدكم امرأة، فلا جناح عليه أن ينظر إليها، إذا كان إنما ينظر إليها لخطبته، وإن كانت لا تعلم” وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أريتك في المنام ثلاث ليال، جاءني بك الملك في سرقة من حرير، فيقول هذه امرأتك، فأكشف عن وجهك، فإذا أنتي هي، فأقول إن يك من عند الله يُمضه” وقال سهل بن أبي حثمة رأيت محمد بن مسلمة يطارد بثينة بنت الضحّاك فوق إجّار لها ببصره طردا شديدا، فقلت أتفعل هذا وأنت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “إذا ألقي في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها”

 

وعن انس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يتزوّج امرأة، فبعث بامرأة تنظر إليها، فقال “شُمّي عوارضها، وانظري إلى عُرقوبيها” قال فجاءت إليهم، فقالوا ألا نغدّيك يا أم فلان؟ فقالت لا آكل إلا من طعام جاءت به فلانة، قال فصعدت في رفّ لهم، فنظرت إلى عرقوبها، ثم قالت قبليني يا بُنيّة، قالت فجعلت تقبلها، وهي تشم عارضها، قال فجاءت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم، والعوارض الأسنان التي في عرض الفهم، لاختبار رائحة النكهة، وعن محمد بن علي بن الحنفية، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب إلى علي ابنته أم كلثوم، فذكر له صغرها، فقيل له إن ردك فعادوه، فقال له علي أبعث بها إليك، فإن رضيت فهي امرأتك، فأرسل بها إليه، فكشف عن ساقيها، فقالت لولا أنك أمير المؤمنين لصككت عينك، وقد تزوجها، ورزق منها بولديه، زيد ورقية، وهكذا فإنه من المندوب أن ينظر الخاطب إلى المرأة التي يرغب في الزواج منها.

 

وهكذا فإنه من المندوب أن ينظر الخاطب إلى المرأة التي يرغب في الزواج منها، ليكون على معرفة بصفات من تكون شريكة عمره، وهذا أدعى لقيام الألفة والمحبة بينهما، ومن الأفضل تقديم النظر على الخطبة، فإن لم تعجبه، وكره منها أمرا، تركها إلي غيرها، من غير إيذاء لخفرها وخدش لسمعتها، وكما يجوز للناظر أن ينظر من مخطوبته ما يدعوه إلى نكاحها، وهذا يعني أكثر من الوجه والكفين، كالنظر إلى الساق والعنق والساعد والشعر، وقال الحافظ في كتابه الفتح “قال الجمهور لا بأس أن ينظر الخاطب إلى المخطوبة ولا ينظر إلى غير وجهها وكفيها، وقال الأوزاعي يجتهد وينظر إلى ما يريد منها إلا العورة، وقال ابن حزم ينظر إلى ما أقبل منها وما أدبر، ولأحمد ثلاث روايات، الأولى كالجمهور، والثانية ينظر إلى ما يظهر غالبا وهو ما نرجحه ونميل إليه، والثالثة ينظر إليها متجردة” والله أعلي وأعلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى