مقال

الدكروري يكتب عن الوطن ذاكرة الإنسان ” جزء 5″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الوطن ذاكرة الإنسان ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وهذا يشير إلى مدي حب رسول الله صلي الله عليه وسلم لبلده مكة المكرمة موطن ولادته ونشأته وفيها البيت الحرام ولأنها منزل الوحي ولأن بها الأهل والأقربين ولأن بها مآثر نبى الله إبراهيم عليه السلام والرسول صلي الله عليه وسلم كان حين يذكر أحد الصحابة مكة أمامه تذرف عيناه بالدمع ويقول له صلى الله عليه وسلم ” دع القلوب تقر ” فهو عندما خرج من مكة خرج حزينا مكلوماً فبشره ربه سبحانه وتعالى كما فى سورة القصص قائلا ” إن الذى فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ” وقد جاء في تفسير القرطبي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة مهاجرا فبلغ الجحفة اشتاق إلى مكة فأوحى الله إليه هذه الآية، ولما أصبحت المدينة هي دار دولة الإسلام أحبها كما أحب مكة، فإذا كان في سفر فاقترب من المدينة أسرع في سيره كما ذكر البخاري في صحيحه أنه إذا كان في سفر فأبصر المدينة أوضع راحلته أي أسرع.

 

وفي الحديث دلالة على مشروعية حب الوطن والحنين إليه، وإن مفهوم التضحية هو بذل الغالي الرخيص وهو يختلف من شخص لآخر تبعا لما يعتقده الإنسان ويتعلق به، فتجد أن الإنسان إذا أحب شيئا ما فإنه يضحي من أجله، فهذا عروة بن الزبير لما تعلق حب الله في قلبه ضحي بقطع ساقه وهو ساجد حتى لا يغفل قلبه عن ذكر الله لحظة فالمحب يهيم في محبوبه حتى لا يكاد يرى غيره، ويروى أن قيس بن الملوح مجنون ليلى تابع كلب ليلى ليدله، فمر على قوم يصلون، وعندما عاد مارا بهم قالوا له ترانا نصلي ولا تصلي معنا ؟ قال كنتم تصلون ؟ قالوا نعم، فقال والله ما رأيتكم، ولو كنتم تحبون الله كما أحب ليلى ما رأيتموني، فهذا مشغوف بحب ليلى حتى حجبه حبها عن رؤية المصلين، ونرى أن الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين كانوا دائما يضحون بأرواحهم فداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان هذا نابع من حبهم له.

 

ففي طريق الهجرة كما ذكر ابن القيم في زاد الميعاد، والبيهقي في الدلائل ” أن أبا بكر الصديق ليلة انطلق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى الغار، كان يمشي بين يديه ساعة، ومن خلفه ساعة، فسأله، فقال أذكر الطلب يعنى ما يأتي من الخلف، فأمشي خلفك، وأذكر الرصد أى المترصد في الطريق، فأمشي أمامك، فقال صلى الله عليه وسلم ” لو كان شيء أحببت أن تقتل دوني؟ ” قال أي والذي بعثك بالحق، فلما انتهيا إلى الغار قال مكانك يا رسول الله حتى أستبرئ لك الغار، فاستبرأه ” وهذا زيد بن الدثنة قال له أبو سفيان حين قدّم ليقتل ” أنشدك بالله يا زيد، أتحب أن محمدا الآن عندنا مكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك ؟ قال والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذى هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأنى جالس في أهلى، فقال أبو سفيان ” ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا” وهذا صهيب صاحب المال الوفير في مكة.

 

ضحى بماله من أجل الهجرة ورفع راية الإسلام، فعن صهيب الرومى قال ” لما أردت الهجرة من مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت لي قريش يا صهيب، قدمت إلينا ولا مال لك، وتخرج أنت ومالك، والله لا يكون ذلك أبدا، فقلت لهم أرأيتم إن دفعت إليكم مالي تخلون عني ؟ قالوا نعم، فدفعت إليهم مالي، فخلوا عني، فخرجت حتى قدمت المدينة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال ” ربح صهيب، ربح صهيب” مرتين، فأنزل الله تعالى فيه قوله عز وجل فى سورة البقرة ” ومن الناس من يشؤى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد ” وقد كان لكثير من أصحابه صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم صفحات طويلة من البذل والتضحيات، فهذا هو الإمام على بن أبى طالب رضي الله عنه، يعرّض نفسه للهلاك ويضحي بحياته بنومه في فراش النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، عشية الهجرة، ويرمي البراء نفسه بين الأعداء في حديقة الموت.

 

فيفتح الله للمسلمين بسببه، ويُعرض أبو الدرداء عن التجارة تفرغا لمجالسة النبي صلى الله عليه وسلم، ويتقبل خالد بن الوليد التنازل عن منصبه طاعة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، عندما أمره بتسليم القياده إلى أبو عبيده عامر بن الجراح، ويتنازل أبو عبيدة عن إمرة الجيش لعمرو بن العاص جمعا لكلمة المسلمين، ويرفض الحسن بن علي رضى الله عنهم أجمعين الخلافة درءا للفتنة وجمعا للكلمة، ويقبّل عامر بن عبدالله رأس زعيم الروم المشرك ليعتق له أسرى المسلمين، ولم يخلُ تاريخ النساء العظيم من روائع بالجود والتضحية، فقد ضحت السيدة أم سلمة بشمل الأسرة، وتحملت فراق الزوج والولد في سبيل الهجرة، وأيضا السيدة أسماء بنت أبى بكر الصديق وعناؤها أثناء الهجرة، ولا تضحيتها بابنها عبدالله بن الزبير في سبيل نصرة الحق، فإذا كانت التضحية في كل ما سبق في الجانب الإيجابي، فكذلك تكون التضحية في الجانب السلبي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى