مقال

الدكروري يكتب عن الوطن ذاكرة الإنسان ” جزء 4″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الوطن ذاكرة الإنسان ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وهذا كليم الله موسى عليه السلام حنّ إلى وطنه بعد أن خرج منها مجبرا، فقال الله تعالى فى كتابه الكريم فى سورة الفصص ” فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا فقال لأهله امكثوا إنى آنست نارا لعلى آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون ” وقال ابن العربي في أحكام القرآن، قال علماؤنا لما قضى نبى الله موسى الأجل طلب الرجوع إلى أهله وحنّ إلى وطنه، وفي الرجوع إلى الأوطان تقتحم الأغرار وتركب الأخطار وتعلل الخواطر، ويقول لما طالت المدة لعله قد نسيت التهمة وبليت القصة، وها هو رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح البخاري، لما أخبر ورقة بن نوفل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قومه، وهم قريش مخرجوه من مكة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أومخرجي هم؟ ” قال نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا.

 

وقال السهيلي رحمه الله ” يؤخذ منه شدة مفارقة الوطن على النفس فإنه صلى الله عليه وسلم سمع قول ورقة أنهم يؤذونه ويكذبونه فلم يظهر منه انزعاج لذلك، فلما ذكر له الإخراج تحركت نفسه لحب الوطن وإلفه، فقال صلى الله عليه وسلم ” أومخرجي هم؟ ” أى بمعنى هم سيحرجونى من وطنى فأجاب له ورقه بن نوفل، أن نعم سوف يخرجوك من أرضك ووطنك، وقال الحافظ الذهبي، وهو من العلماء المدققين، مُعددا طائفة من محبوبات رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أنه صلى الله عليه وسلم ” وكان يحب عائشةَ، ويحب أَباها، ويحب أسامةَ، ويحب سبطيه، ويحب الحلواء والعسل، ويحب جبل أحد، ويحب وطنه، وإن لتعلق النبي صلى الله عليه وسلم، بوطنه الذي نشأ وترعرع فيه ووفائه له وانتمائه إليه، فقد دعا ربه لما وصل المدينة أن يغرس فيه حبها فقال صلى الله عليه وسلم ” اللهم حبب إلينا المدينةَ كحبنا مكةَ أو أشد” رواه البخاري ومسلم.

 

وقد استجاب الله تعالى دعاءه، فكان يحب المدينة حبا عظيما، وكان يسر عندما يرى معالمها التي تدل على قرب وصوله إليها، فعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر، فأبصر درجات المدينة، أوضع ناقته أي أسرع بها وإن كانت دابة حركها ” فقال أبو عبدالله، زاد الحارث بن عمير عن حميد “حركها من حبها ” رواه البخاري، وإن حب الوطن من الإيمان، هي كلمة مأثورة حكيمة، جارية على ألسنة عامة الناس وخاصتهم من عقلاء ومفكرين، وحكماء ومثقفين، وهي بالنسبة للمسلم ذات معنى كبير، ومغزى عميق، ذلك أنها تعني أولا الوطن الذي ولد فيه آباء المرء وأجداده، وينتسبون إليه وينتمون أبا عن جد، وخلفا عن سلف، ويرتبطون بأرضه ارتباط الولاء والإخلاص والوفاء له، والتعلق به والجهاد في سبيله، والتضحية من أجله بكل نفيس وثمين طيلة قرون وأجيال، وكان حب الوطن من الإيمان.

 

وكانت هذه العبارة المأثورة الحكيمة كلمة صدق وحق في مبناها ومعناها، بغض النظر عن كونها ليست حديثا نبويا صحيحا في لفظها ونصها، وكانت كلمة حق في نطقها ومضمونها، لأن وطن المسلم بلد للإسلام، وأرض للتوحيد والإيمان، ومجال لصالح الأعمال، فحبه هو في الحقيقة والعمق حب لدين الإسلام، ولغة القرآن، ولشرعه السمح الحكيم، ولأخلاقه وقيمة المثلى، وفضائله ومثله ا لعليا، وحب لأمته المسلمة المؤمنة، المجاهدة في سبيل دينها وعزتها وكرامة وطنها الصامدة في الحفاظ على سيادتها ووحدتها، الساعية في تحقيق النهضة الشاملة لبلادها وشعوبها في كل مجال، وإن حب الوطن من الإيمان هى كلمة حق وصدق يراد بها الإخلاص والتجرد والانتماء والتضحية، فموطن الإنسان منا أحب إليه من نفسه وولده وأغلي عنده من ماله وكل ما يملك لذلك عد رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي يموت في سبيل الدفاع عن أرضه من الشهداء.

 

وقرنه مع الدفاع عن النفس والمال والعرض والأهل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد ” أبو داود والنسائي والترمذي، وعن سعيد بن زيد، قال صلى الله عليه وسلم ” من قتل دون مظلمته فهو شهيد ومن قتل دون أرضه فهو شهيد ” ولما خرج رسول الله صلي الله عليه وسل مهاجرا من مكة إلى المدينة، وكما روي عنه فقد وقف علي الحزورة وهو سوق، ونظر إلى البيت وقال صلى الله عليه وسلم ” والله إنك لأحب أرض الله إلي وإنك لأحب أرض الله إلى الله ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت منك ” رواه الترمذي والنسائي، ورغم فساد أهلها وظلمهم له ومحاربتهم لدعوته ولكن الرسول صلي الله عليه وسلم يعطينا درسا في الانتماء فيقول في رواية أخري صلى الله عليه وسلم ” ما أطيبك من بلد وأحبك إلي ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك ” قاله لمكة، رواه الترمذي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى