مقال

الدكروري يكتب عن بناء الإنسان أصل بناء الوطن ” جزء 5″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن بناء الإنسان أصل بناء الوطن ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

فلن يبنى وطن في كل بقاع الارض ما لم يبنى الانسان فيه اولا، والمثال واضح بيننا فقيل أنه ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﺭﺍﺩ ﺍﻟﺼﻴﻨﻴﻮﻥ ﺍﻟﻘﺪﺍﻣﻰ ﺃﻥ ﻳﻌﻴﺸﻮﺍ ﻓﻲ ﺃﻣﺎﻥ، ﺑﻨﻮﺍ ﺳﻮﺭ ﺍﻟﺼﻴﻦ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻭﺍﻋﺘﻘﺪﻭﺍ ﺑﺄﻧﻪ ﻻ‌ ﻳﻮﺟﺪ ﻣﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺗﺴﻠﻘﻪ ﻟﺸﺪﺓ ﻋﻠﻮﻩ، ﻭﻟﻜﻦ ﺧﻼ‌ﻝ المائة ﺳﻨﺔ ﺍﻷ‌ﻭﻟﻰ ﺑﻌﺪ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﺴﻮﺭ ﺗﻌﺮﺿﺖ ﺍﻟﺼﻴﻦ ﻟﻠﻐﺰﻭ ﺛﻼ‌ﺙ ﻣﺮﺍﺕ ﻭﻓﻰ ﻛﻞ ﻣﺮﺓ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺟﺤﺎﻓﻞ ﺍﻟﻌﺪﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺔ ﻓﻰ ﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﺧﺘﺮﺍﻕ ﺍﻟﺴﻮﺭ ﺃﻭ ﺗﺴﻠﻘﻪ ﺑﻞ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮﺓ ﻳﺪﻓﻌﻮﻥ ﻟﻠﺤﺎﺭﺱ ﺍﻟﺮﺷﻮﺓ ﺛﻢ ﻳﺪﺧﻠﻮﻥ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺒﺎﺏ، وﻟﻘﺪ ﺍﻧﺸﻐﻞ ﺍﻟﺼﻴﻨﻴﻮﻥ ﺑﺒﻨﺎﺀ ﺍﻟﺴﻮﺭ ﻭﻧﺴﻮﺍ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﺤﺎﺭﺱ، ﻓﺒﻨﺎﺀ ﺍﻹ‌ﻧﺴﺎﻥ ﻳﺄﺗﻲ ﻗﺒﻞ ﺑﻨﺎﺀ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، فإن الأوطان تبنى بحسن الإدارة وحسن استثمار الموارد في جميع مؤسسات الدولة، فالأوطان تبني من خلال تبني ثقافة عمارة الأرض كماامرنا الخالق العظيم سبحانه وتعالى، فإن الأوطان تبني من خلال الجد والاجتهاد وتبنى ثقافة الإتقان، والأوطان تبنى بالإخلاص بالنية والقول والعمل وتلازمهما.

 

والأوطان تبنى بالعلم والمعرفة فاستخدام الأساليب البدائية تؤدي إلى نتائج بدائية، والأوطان تبنى في تبني ثقافة الكل يربح وليس مبدأ أنا اربح وأنت تخسر ولا مبدأ أنت تربح وأنا اخسر ولا مبدأ أنا اخسر وأنت تخسر، والأوطان تبني من خلال المصارحة والصدق، فمن أحسن يقال له أحسنت ومن اخطأ يقال له أخطأت، والأوطان تبنى في تبني مبدأ العدل والعدالة فلا يعاقب فلان لأنه فلان و فلان لايعاقب لأنه فلان، فقد قال ابن تيمية “وأمور الناس تستقيم فى الدنيا مع العدل الذى فيه الاشتراك فى أنواع الاثم أكثر مما تستقيم مع الظلم فى الحقوق وإن لم تشترك فى إثم، ولهذا قيل إن الله تعالى يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة، ويقال الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والاسلام، والأوطان تبنى من خلال وضع الرجل المناسب بالمكان المناسب ليس بالمزاجات والو لاءات، والأوطان تبنى من خلال قبول مبدأ التنوع .

 

فالاختلاف بالرؤى لايفسد للود قضية، والاوطان تبنى بحب الايثار للغير وليس كلمه أنا، والأوطان تبني من خلال تبني ثقافة تكافؤ الفرص في المال والأعمال والوظائف والتعليم والتطبيب وكافه مناشط الحياة، كما تبنى الأوطان من خلال الجمع بين الأصالة والتحديث مع احترام ثوابت الأمة ومعتقداتها، ولا تبنى الأوطان على الفساد المالي والإداري والأكاذيب والعوز النفسي والتحطيم المادي والمعنوي للانسان وكل مايؤدي الى التشاحن والبغضاء والتحريض والإقصاء والتهميش لبعض مكونات المجتمع، و لانستطيع أن نبنى وطنا بعيدا عن منهج الله تعالى، فقد قال تعالى فى كتابه العزيز ” قل إن كان آبائكم وأبنائكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا” ويقول أحد المستشرقين إذا أردت أن تهدم حضارة أمه فهناك وسائل ثلاث.

 

هي اهدم الأسرة ،لان الأسرة هي المحضن الوحيد للتدين عندما تفسد كل المحاضن الاجتماعية، واهدم التعليم، وعليك بتغييب دور اﻷم اجعلها تخجل من وصفها بربة بيت، ولكي تهدم التعليم عليك بالمعلم لاتجعل له أهمية في المجتمع وقلل من مكانته حتى يحتقره طلابه، ولكي تسقط القدوات عليك بالعلماء اطعن فيهم قلل من شأنهم، شكك فيهم حتى لايسمع لهم ولا يقتدي بهم أحد، فإذا اختفت اﻷم الواعية واختفى المعلم المخلص، وسقطت القدوة فمن يربي النشء على القيم؟ فإن الاسلام قد انفرد بفكرة لا يشاركه غيره فيها، وهي أن البناء على المقاصد الأصلية يصيِّر تصرفات المكلف كلها عبادات، سواء كانت من قبيل العبادات أو العادات لأن المكلف إذا فهم مراد الشارع من قيام أحوال الدنيا، وأخذ في العمل على مقتضى ما فهم، فهو إنما يعمل من حيث طلب منه العمل، ويترك إذا طلب منه الترك، فهو أبدا في إعانة الخلق على ما هم عليه من إقامة المصالح باليد واللسان والقلب.

 

لذا فإن أي عمل نافع لا تنهى عنه الشريعة فهو عبادة، وواجب كفائي يطلب من مجموع المكلفين وذلك كتعلم الصنائع المختلفة وأنه إذا فعله أحد المكلفين سقط الطلب عن الباقين وارتفع الإثم عنهم جميعا وإذا أهمله الجميع أثموا جميعا، ولا يسقط فرض الكفاية إلا عند قيام الكفاية، ولقد عظم الإسلام من شأن العمل مهما كان هذا العمل، بل حتى عمل المرأة في بيتها لزوجها وأولادها فأنها تؤجر عليه، فعلى قدر عمل الإنسان يكون جزاؤه، فقال الله تعالى ” من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون” ويجب أن نلاحظ أن الإسلام لم يحدد نوعية أو طبيعة العمل، بمعني أن المقصود هو العمل في لفظه المطلق‏‏، ويستوي في هذا العمل الذهني أو المهني والحرفي والعمل للدنيا وللآخرة ايضا، لان مما شاع في مجتمعاتنا ويعتبر آفة ما زلنا نعاني منها إلى اليوم هو تدني النظرة إلى قيمة العمل اليدوي أو المهني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى