مقال

الدكروري يكتب عن محاسبة النفس في رمضان” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن محاسبة النفس في رمضان” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثاني مع محاسبة النفس في رمضان، وعاد السلطان قطز يصيح صيحة عظيمة سمعها معظم جيشه وهو يقول واإسلاماه، ثلاث مرات، ويتضرع إلى الله قائلا “يا الله انصر عبدك قطز” وما هي إلا ساعة حتى مالت كفة النصر إلى المسلمين، وانتهى الأمر بهزيمة مدوية للمغول لأول مرة منذ جنكيز خان، ثم نزل السلطان عن جواده، ومرّغ وجهه على أرض المعركة وقبّلها، وصلى ركعتين شكرا لله، ثم إن رمضان لم يكن لدى أمة الإسلام فى يوم من الأيام شهر كسل، ولا موسم بطالة، ولا عرف الأسلاف فيه الخمول، ولا الضعف ولا الوهن، ولا استسلموا فيه ولا استكانوا، ذلكم أن هذا الشهر الكريم كان مولد الإسلام، ومشرق نوره، وفيه بعث الله محمد صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وليخرج به الناس من ظلمات الشرك وأسر الهوى.

 

إلى نور الإيمان وسعة الهدى، ويشهد التاريخ الإسلامى المجيد أن كثيرا من المعارك الفاصلة التى انتصر فيها المسلمون على أعدائهم، وأن عددا من تلك الفتوح التى فرقت بين الحق والباطل، وأن تحطيم أكبر الأصنام وإرغام أنوف ألد الأعداء، كان فى شهر رمضان، ألا فاتقوا الله وانصروه بتقديم ما يحبه ويرضاه على ما تحبون وتشتهون، انصروه بنصر الحق وأهله، بل قبل كل ذلك انتصروا على نفوسكم التى بين جنوبكم، انتصروا على شهواتكم وملذاتكم، حققوا العبوديةَ التامة لله سبحانه، والاستسلام له ظاهرا وباطنا، حطموا الأصنام التى فى الصدور، فإنه لا نصر للأمة ولا غلبة، ولا عز لها ولا تمكين إلا بأن ينتصر أفرادها على أعدائهم الداخليين ويهزموهم، من نفوسهم الأمّارة بالسوء، وشياطين الإنس والجن الذين لا يألونهم خبالا، أما أن ينهزم المسلمون أمام هوى نفوسهم وشحها.

 

ويستسلموا لنزغات شياطينهم ويسلموا لهم القياد، ويسقطوا فى معركة ساعة أو نصف ساعة، أو دقائق معدودة، يواجههم فيها ممثلون طائشون، ويسترقهم فيها مغنون ماجنون، فيطرحونهم أرضا يضحكون ويستهزئون بدينهم وهم سامدون، أو يخلدوا للفرش، ويقدموا النوم على الصلاة، أو تلهيهم أموالهم وأولادهم عن ذكر الله، فما أحراهم حينئذ أن تدوم هزيمتهم، وتظهر إهانتهم، فإنه لا عزة إلا بالله، ولا نصر إلا من عنده، ولا عزة ولا نصر إلا بالكلم الطيب والعمل الصالح، فهذه هى العزة الحقيقية، والعلو التام، والسلطان القاهر، إنها الاستعلاء على شهوات النفس، وتحطيم أصنام الهوى والعادات، والانفكاك من قيود الرغبات والنزعات، والتخلص من ذل البخل، وقهر الشح، إنها خشية لله وتقوى، ومراقبة له في السر والنجوى، وكذلك من الأنتصارات فى شهر رمضان.

 

هو فتح القسطنطينية على يد محمد الفاتح، وإن القسطنطينية التي بشّر الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بفتحها، فقال صلى الله عليه وسلم ” لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش” روه الإمام أحمد، ومن ذا الذى فتحها غير السلطان محمد الفاتح، الذى وضع خطة غاية فى دهاء التدبير، وروعة في الإعداد العسكرى ودقة التنفيذ؟ يوم حمل السفن برا على جذوع الشجر، ثم دحرجها وأنزلها إلى البحر خلف البيزنطيين من حيث لا يتوقعون، مما أدى إلى دحر أسطولهم وهزيمتهم، وفتح القسطنطينية التى أصبحت فيما بعد عاصمة الخلافة، وحملت اسم إسلامبول أو إستانبول، أى بمعنى مدينة السلام، ولكن كيف تم فتح القسطنطينية؟ فقد أراد محمد الفاتح منذ توليه الحكم حسم مشكلة القسطنطينية، فقد كانت وكرا للمؤامرات على الدولة العثمانية.

 

واستعد السلطان سياسيا وعسكريا لذلك، ثم حشد الفاتح أكثر من ربع مليون جندى أحدقوا بالقسطنطينية من البر، واستمر حصار المدينة ثلاثة وخمسين يوما، تم خلالها بناء منشآت عسكرية ضخمة، واستقدام خيرة الخبراء العسكريين، ومن بينهم الصانع المجرى الشهير أوربان، والذى استطاع صنع مدافع عظيمة تقذف كرات هائلة من الحجارة والنار على أسوار القسطنطينية، وقد بذل البيزنطيون قصارى جهدهم في الدفاع عن المدينة، واستشهد عدد كبير من العثمانيين في عمليات التمهيد للفتح، وكان من بين العقبات الرئيسة أمام الجيش العثماني تلك السلسلة الضخمة التي وضعها البيزنطيون ليتحكموا بها فى مدخل القرن الذهبى، والتى لا يمكن بحال فتح المدينة إلا بتخطيها، وقد حاول العثمانيون تخطى هذه السلسلة دون جدوى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى