مقال

الدكروري يكتب عن المودة بين الناس

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن المودة بين الناس

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الإسلام حريص دائما على إيجاد مجتمع متكافل متراحم يتآلف ابناءه ويتعاونون فيما بينهم على الخير والبر كأنهم جسد واحد، ولا شك أن من سبل تحقيق الاخوة، بل ومن سبل استمرارها ودوامها الاصلاح بين الناس اذا ما انقطعت هذه المودة والمحبة والالفة، فالإصلاح بين الناس قيمة عظيمة وخصلة كريمة، ومما يبين لنا مكانتها تأكيد القرآن الكريم عليها في غير موضع، والقرآن الكريم يؤكد على الاصلاح بين الناس حتى بين أنه من أفضل الكلام وخير الأقوال، فطوبى لمن يسعون في الاصلاح بين الناس، ولقد أصبحنا فى زمن الكل يقول نفسى ثم نفسى الا ما رحم الله ولكن النبى الكريم صلى الله عليه وسلم كان يقول أمتى أمتى فلماذا لا نتأسى بسنة النبى صلى الله عليه وسلم ونكون فى طاعة الله عز وجل وفى طريق الخير والنفع مع الناس ففي نفع الناس استجلاب موادهم، وإذهاب وحر صدورهم، وحبل عون الله تعالي للعبد ممدود بالرزق.

 

والنصر وتيسير قضاء الحاجة ما دام حبل نفعه للناس باقيا، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه” رواه مسلم، وأوصى الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه كميل بن زياد قائلا “يا كميل مر أهلك أن يروحوا في كسب المكارم ويدلجوا في حاجة من هو نائم، فو الذي وسع سمعه الأصوات ما من أحد أودع قلبا سرورا إلا خلق الله تعالى من ذلك السرور لطفا، فإذا نابته نائبة جرى إليها كالماء في انحداره حتى يطردها عنه كما تطرد غريبة الابل” ونفع الناس من أسباب الوقاية من المخازي والمهالك وسبيل للظفر بحسن الخاتمة، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “صنائع المعروف تقي مصارع السوء” رواه الطبراني، وقالت السيدة خديجة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه الوحي وخاف على نفسه كلا والله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق”

 

وقال شيخ الإسلام فاستدلت بعقلها على أن من جعل الله فيه هذه المحاسن والمكارم التي جعلها من أعظم أسباب السعادة لم تكن من سنة الله وحكمته وعدله أن يخزيه، بل يكرمه ويعظمه، وبتلك المزايا تنافس طلاب العلا في نفع الناس ولم يقعدهم عنهم منصب أو تشاغل، فقد فأبو بكر الصديق رضي الله عنه يحلب للحي أغنامهم، فلما استخلف، قالت جارية منهم الآن لا يحلبها، فقال أبو بكر بلى وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه عن شيء كنت أفعله، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتعاهد الأرامل يستقي لهن الماء بالليل ورآه طلحة بالليل يدخل بيت امرأة، فدخل إليها طلحة نهارا، فإذا هي عجوز عمياء مقعدة، فسألها ما يصنع هذا الرجل عندك ؟ قالت هذا منذ كذا وكذا يتعاهدني يأتيني بما يصلحني، ويخرج عني الأذى، فقال طلحة ثكلتك أمك طلحة عثرات عمر تتبع؟ وبعث الحسن البصري قوما من أصحابه في قضاء حاجة لرجل.

 

وقال لهم مرّوا بثابت البناني، فخذوه معكم، فأتوا ثابتا، فقال أنا معتكف، فرجعوا إلى الحسن فأخبروه، فقال قولوا له يا أعمش أما تعلم أن مشيك في حاجة أخيك المسلم خير لك من حجة بعد حجة ؟ فرجعوا إلى ثابت، فترك اعتكافه، وذهب معهم، وكان أبو وائل يطوف على نساء الحي وعجائزهم كل يوم، فيشتري لهن حوائجهن وما يصلحهن، وإن مجال نفع الناس وفر رحب مقدور، لا تخلو نفس من أحد خصاله وأعظمه ما حصرت مشروعية الغبطة فيه تعليم العلم والقضاء به، والجود بالمال، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ” لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلط علي هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها” رواه البخاري ومسلم، وكذلك فإن بذل الجاه، وإعانة القوة، وصنيعة المهنة، وإسداء المشورة من تلك الخصال المستحبه، وأدناها نبل المشاعر ولطافة القول وصادق الدعاء حين يجف البذل.

 

كما قال الله تعالى ” وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا” فإن عُجز عن ذلك فإن ثمة درجة في النفع دانية لا يُتنازل عن إبقائها إذ لا نفع يرجى إن فقدت تلكم درجة كف الأذى، وحتى يقع المعروف موقعه عند الله وعند خلقه فإنه لابد من ملاحظة الإخلاص لله وابتغاء الأجر من عنده فذاك مبتغى الأبرار، وهو قوله تعالي ” إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا” وقيل سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه شاب بالمدينة يقول يا أحكم الحاكمين احكم بيني وبين أمي فقال له عمر لماذا تشكو امك يا غلام على هذه الصورة ؟ قال يا أمير المؤمنين إنها حملتني في بطنها تسعة أشهر ثم ارضعتني حولين كاملين فلما كبرت طردتني وزعمت أنها لا تعرفني، فاستدعى عمر المرأة، ثم سألها عما يقول الغلام؟ فقالت يا أمير المؤمنين والذي احتجب بالنور إنني لا أعرف هذا الغلام، وأنا لا أزال بكرا لم أتزوج.

 

فسألها عمر هل لك شهود على ما تقولين ؟ فأجابت نعم هؤلاء إخوتي، فاستدعاهم عمر فشهدوا عنده بأن الغلام كذاب، وأنه يريد أن يفضح أختهم في عشيرتها، وأنها لم تتزوج فقال عمر إنطلقوا بهذا الغلام إلى السجن حتى نسأل، فأخذوا الغلام إلى السجن وفيما هم في الطريق إلى السجن لقاهم الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، فناداه الغلام يا ابن عم رسول الله إني مظلوم، ثم قص عليه قصته، فقال الإمام علي ردوه إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فلما ردوه، قال لهم عمر لماذا رددتموه إلي ؟ فقالوا إنك قلت لا تعصوا لعلي بن أبي طالب أمرا وقد أمرنا أن نرده، وألا نذهب به إلى السجن، ثم جاء الإمام علي وقال لعمر لاقضين اليوم بقضاء يرضي رب العالمين، ثم أخذ يسأل المرأة ألك شهود ؟ قالت نعم، ثم تقدم الشهود فشهدوا بأن المرأة ليست أما للغلام، فقال الإمام علي اشهد الله وأشهد من حضر من المسلمين، أني قد زوجت هذا الغلام من هذه الفتاة.

 

بأربعمائة درهم أدفعها من مالي الخاص، وأعطى الدراهم للشاب وقال له والمرأة تسمع لا أراك إلا وبك أثر العرس، فقام الغلام للمرأة وأعطاها الدراهم وقال لها قومي معي إلى بيت الزوجية فصاحت المرأة النار، النار يا ابن عم رسول الله، أتريد أن تزوجني من ولدي ؟ هذا والله ولدي، وقد زوجني أخي رجلا غريبا فولدت منه هذا الغلام، فلما كبر أمروني أن انتفي منه وأطرده، وفؤادي يحترق عليه ثم أخذت بيد ولدها وانطلقت، فصاح عمر بأعلى صوته وآعمراه، لولا علي لهلك عمر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى