مقال

الدكروري يكتب عن أول ثمار المؤمن

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن أول ثمار المؤمن

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن في حالة الفقر ينبغي أن يكون حال العبد هو القناعة وقلة الحرص، وإن كان غنيّا فينبغي أن يكون حاله الإيثار والسخاء وبذل المعروف، والتباعد عن الشح والبخل، فإن الجود من أخلاق الأنبياء، فالصحيح قد يأتيه جرثوم، وتكون قوة مناعته كبيرة فيرده ويقضي عليه، لكن ضعيف المقاومة وضعيف المناعة أضعف الجراثيم يجعله مريضا، يقعده في الفراش، كذلك مرض القلب، أي شيء يفتنه، أي شيء يصرفه عن الحق ويغريه بالمعصية، لأنه في الأصل مريض، فالبرد قد يصيب الصحيح فلا يتأثر به عنده مقاومة، ومن كان قلبه سليما لا يتأثر بالمغريات، ولا بمظاهر القوة التي يراها عند الكفار، ولكن القلب المريض يضعفه أي شيء، فلذلك القلب المريض يزداد مرضا، وإن من أعظم ما يُورث حُسن الخاتمة هو تعجيل التوبة والصدق فيها، فقد كانت سببا في نجاة رجل قتل مائة نفس، لكنه صدق في التوبة مع الله تعالى، فأكرمه الله بحُسن الخاتمة.

 

وكما أن من علامات حُسن الخاتمة هو أن يوفق الله العبد ويلهمه لعمل والتزام الأعمال الصالحة والاستمرار عليها حتى يلقى الله عز وجل وهو على ذلك، فيزيد الله له الحسنات، ويمحو عنه الزلات، ويرفع له الدرجات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله فقيل كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال ” يوفقه لعمل صالح قبل أن يموت” فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته ولنعلم أن الخاتمة الحسنة هي أول الثمار التي يجنيها المؤمن وهو في طريقه إلى عالم الآخرة، حيث تحسن خاتمته ويموت ميتة حسنة، وتحصل له جملة من الثمار، من نزول الملائكة بالبشارة لهم بالأمن وعدمِ الخوف، والبشارة بالجنة، والنعيمِ المقيم، فقال تعالى كما جاء في سورة النحل ” الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون” وقال ابن كثير رحمه الله، أنه أخبر الله تعالى عن حال المؤمنين عند الاحتضار.

 

أنهم طيبون أي مخلصون من الشرك والدنس وكل سوء، وأن الملائكةَ تسلم عليهم وتبشّرهم بالجنة، وقال الله تعالي كما جاء في سورة فصلت ” إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أوليائكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون” ويقول السعدي رحمه الله في تفسيره “يخبر الله تعالى عن أوليائه، وفي ضمن ذلك تنشيطهم والحث على الاقتداء بهم، فقال” إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا” أي اعترفوا ونطقوا، ورضوا بربوبية الله تعالى، واستسلموا لأمره، ثم استقاموا على الصراط المستقيم علما وعملا، فلهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة” تتنزل عليهم الملائكة” أي يتكرر نزولهم عليهم، مبشرين لهم عند الاحتضار “ألا تخافوا” على ما يُستقبل من أمركم ” ولا تحزنوا” على ما مضى، ويقول السعدي أيضا في تفسير قوله تعالى.

 

” يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ” وهو بمعني أنه يخبر الله تعالى أنه يثبّت عباده المؤمنين أي الذين قاموا بما عليهم من إيمان القلب التام الذي يستلزم أعمال الجوارح ويثمرها، فيثبتهم الله في الحياة الدنيا، عند ورود الشبهات بالهداية إلى اليقين، وعند عروض الشهوات بالإرادة الجازمة على تقديم ما يحبه الله على هوى النفس ومرادها، وفي الآخرة عند الموت بالثبات على الدين الإسلامي، والخاتمة الحسنة، وفي القبر عند سؤال الملكين للجواب الصحيح، إذا قيل للميت “من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فهداهم للجواب الصحيح بأن يقول المؤمن “الله ربي، والإسلام ديني، ومحمد صلى الله عليه وسلم نبيي” وعن طارق بن عبدالله المحاربي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا طارق، استعد للموت قبل نزول الموت” رواه الحاكم، والاستعداد له يكون بأمور منها هو التوبة من جميع الذنوب، فقال لقمان لابنه يا بُني، لا تؤخر التوبة.

 

فإن الموت يأتي بغتة، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله قال بعض السلف أصبحوا تائبين، وأمسوا تائبين، يشير إلى أن المؤمن لا ينبغي أن يصبح ويمسي إلا على توبة، فإنه لا يدري متى يفجؤه الموت صباحا أو مساء، فمن أصبح أو أمسى على غير توبة، فهو على خطر لأنه يخشى أن يلقى الله غير تائب، فيحشر في زمرة الظالمين فقال الله تعالى في سورة الحجرات ” ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون” فإن نزل المرض بالعبد، فتأخيره للتوبة حينئذ أقبح من كل قبيح، فإن المرض نذير الموت، وكما أن من أسباب حسن الخاتمه هو أن تذكر الموت دائما وعدم نسيانه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أكثروا ذكر هاذم اللذات” يعني الموت، رواه الترمذي، وقال الإمام القرطبي رحمه الله، قال الإمام السدي في قوله تعالى كما جاء في سورة الملك ” الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا” أي أكثركم للموت ذكرا.

 

وله أحسن استعدادا، ومنه أشد خوفا وحذرا، والإمام علي بن الحسين بن مبارك رحمه الله ما كان لسانه يفتر عن ذكر الموت، ومن كان يستشعر الموت في كل وقت رغب في الآخرة، فقد قال الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز رحمه الله إنك إن استشعرت الموت في ليلك ونهارك، بُغض إليك كل فاني، وحُبب إليك كل باقي، وكما أن من أسباب حسن الخاتمه هو ترك كل عمل يُكره من أجله الموت، فقال الإمام سلمة بن دينار رحمه الله كل عمل تكره من أجله الموت، فاتركه ثم لا يضرك متى تموت، وأيضا كثرة الأعمال الصالحة، وخصوصا مع تقدم العمر وظهور الشيب، فقال الحافظ ابن رجب رحمه الله من نزل به الشيب، فهو بمنزلة الحامل التي تمت شهور حملها، فما تنتظر إلا الولادة، كذلك صاحب الشيب لا ينتظر إلا الموت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى