مقال

الدكروري يكتب عن إعمل تثاب

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن إعمل تثاب

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن من رحمة الله عز وجل وتيسيره لعباده، إنه هو البر الرحيم، والناظر في كتاب الله وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم يجد هذه الطرق أكثر من أن تحصر، ومن رام عدها رام أمرا عسيرا، ولكن حسبنا أن نعمل بما نعلم، وأن نتذاكر فيما بيننا فيما لا نعلم، وأن نجتهد في ذلك، فمن اجتهد وجد، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حدّث أصحابه عن الزكاة، فسأله الصحابة عن الإبل والخيل، فأخبرهم بحقها وأجرها، ثم سألوه عن الحُمر، فقال صلى الله عليه وسلم “ما أنزل الله عليّ في الحُمر شيئا إلا هذه الآية الفاذة الجامعة ” فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره” وهذا الجواب تقعيد مفيد لمسألة عظيمة ذات شعب متكاثرة، فبين للسائل أن الله عز وجل جعل على نفسه أن يعطي كل ذي حق حقه، فمن عمل صالحا فسوف يراه، ومن عمل سيئا فسوف يراه، وما ربك بظلام للعبيد.

 

وفضل الله واسع، وعطاؤه جزيل، فربما عمل العبد عملا يظنه يسيرا ولكنه عند الله عظيم، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضى الله عنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “بينما كلب يطيف بركية قد كاد يقتله العطش، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها أى حذاءها فاستقت له به، فسقته، فغفر الله لها به” أنظروا امرأة زانية اشتهرت بالبغي والإفساد، عملت عملا صالحا أخلصت لله فيه فغفر الله ذنوبها، سبحانه هو الغفور الرحيم، فما ظنكم بمن رحم مؤمنا مسكينا ففرّج عنه أو أطعمه وسقاه؟ ومثل هذا ما أخرجه مسلم عنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذى المسلمين” وفي رواية “مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق فقال والله لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم، فأدخل الجنة” ولا عجب فإن ذلك الرجل وتلك المرأة لم يتعاملا مع مخلوق.

 

يعتريه الضعف والفقر والبخل، وإنما كانت معاملتهما مع خالق كريم عظيم يحب من عباده أن يتقربوا إليه بالأعمال ولو قلت لينميها لهم، ويدخلهم بها جنات النعيم، فإن الأعمال الصالحة تذكر بما عداها، وتدل على ما سواها، وتزيد المؤمنين إيمانا، وتبعث في نفوسهم الهمم ليرتقوا إلى أعالي القمم، فسلعة الله غالية، ومن طلب الحسناء لم يغله المهر، فمن ذلك ما أدرك به الصحابي الجليل بلال بن رباح رضي الله عنه المنازل العالية في جنات النعيم، فقد جاء في الحديث المتفق على صحته من حديث أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، سأل بلال فقال “يا بلال، حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام” لماذا سأله؟ إنما سأله ليعلم الأمر الذي أوصله إلى أعالي الجنان، فيقول صلى الله عليه وسلم “يا بلال، حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدى في الجنة” فقال بلال يا رسول الله.

 

ما عملت عملا أرجى عندى من أني لم أتطهر طهورا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب الله لي أن أصلي” وفي رواية لابن خزيمة عن بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم، سأل بلال رضي الله عنه فقال “يا بلال، بم سبقتنى إلى الجنة؟ إني دخلت البارحة الجنة فسمعت خشخشتك أمامي” فما أسعد بلال إذ جاءته البشارة لا بدخول الجنة فقط وإنما بكونه سابقا إليها، ثم ما هذا العمل؟ وهل يعجز أحدنا أن يصلي ركعتين كلما توضأ تقربا إلى الله عز وجل؟ فيا له من عمل عظيم يورث صاحبه الجنة، مع سهولته ويسره على من أراده، ومن الأعمال الصالحة ذلك العمل الذى غفل عن عظيم أجره أكثرنا، ألا وهو الذهاب إلى المسجد والرجوع منه، فأكثرنا يظن أن الأجر يكون على الذهاب إلى المسجد فقط، أما الرجوع من المسجد فلا أجر فيه، وهذا من الجهل بفضل الله وإحسانه إلى عباده المقبلين على طاعته سبحانه.

 

فعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال كان رجل من الأنصار، لا أعلم أحدا أبعد من المسجد منه، وكانت لا تخطئه صلاة، فقيل له لو اشتريت حمارا تركبه في الظلماء وفي الرمضاء، فقال ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاى إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلى، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم ما قال الرجل، فقال “قد جمع الله لك ذلك كله” رواه مسلم، ومن الأعمال الصالحة أيضا ذلك العمل الذى قلّ اهتمام الناس به وتسابقهم إليه، ألا وهو الأذان، فربما اجتمع قوم في مكان أو خرجوا في سفر ثم حضرت الصلاة فلم تجد بينهم من التنافس والحرص على التأذين ما يليق بهذا العمل العظيم، ولهؤلاء نسوق حديثا أخرجه البخارى في صحيحه عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أن أبا سعيد الخدرى رضي الله عنه قال له يا عبد الرحمن، أني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك وباديتك، فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء.

 

فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن من حجر ولا شجر ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة، قال أبو سعيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وربما كان العمل واجبا على العبد بمقتضى الطبع والفطرة والعادة، ومع ذلك فقد جعل الله لصاحبه أوفر الثواب وأوفاه، ولعل أقرب مثال على ذلك إنفاق الرجل على زوجه وعياله، فإنه واجب عليه لا منة له فيه، ولو لم يقم به لناله الذم، وربما العقاب ومع ذلك جعل الله لمن قام به، محتسبا، الأجر العظيم، والثواب الكريم، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته فى رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرا الذى أنفقته على أهلك” فالحمد لله الذى جعل لنا في ما لابد لنا منه أجرا، ويا لخسارة أولئك الذين ينفقون أموالهم ثم لا يحتسبون أجرها إذا صارت يوم القيامة هباء منثورا.

 

ثم إنها دعوة لكل مسلم أن يخلص نيته ويستحضر احتساب الأجر في جميع أحواله لئلا يحرم فضل ربه سبحانه، ومن هذا الباب ما جهله أو غفل عنه بعض المسلمين من ثواب من أحسن إلى بنياته واحتسب في ذلك فضل ربه، فمن فعل ذلك كانت بنيّاته سترا له من النار، كما جاء في الصحيحين حديث السيدة عائشة رضي الله عنها، وعن أنس مرفوعا “من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو وضمّ أصابعه” رواه مسلم والترمذى، وفيه “من عال جاريتين كنت أنا وهو فى الجنة كهاتين” وقد جاءت إلى السيدة عائشة رضي الله عنها مسكينة تحمل ابنتين لها، فتصدقت عليها عائشة رضي الله عنها بثلاث تمرات، فأعطت المرأة كل واحدة من البنتين تمرة، ورفعت الثالثة إلى فمها لتأكلها، ولكن البنتين طلبتا تلك التمرة من أمهما، فرحمتهما الأم، وشقت التمرة نصفين، وأعطت كل واحدة نصفا، فتعجبت السيدة عائشة رضي الله عنها من صنيع هذه المرأة، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بما صنعت المرأة فقال صلى الله عليه وسلم “إن الله قد أوجب لها بهما الجنة” أو “أعتقها بهما من النار” رواه مسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى