مقال

الدكروري يكتب عن كذب الإنسان في القول والعمل

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن كذب الإنسان في القول والعمل

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الإنسان كما أنه قد يكذب في كلامه بأن يخبر بغير الواقع والحقيقة، فكذا قد يكذب بعمله، فيوري بالضعيف من العمل، ويضبط ظاهره دون باطنه ليخدع الناس أو يخدع نفسه، فيظهر لهم خلاف واقع العمل وحقيقته، ثم هناك الصدق في كلام الناس وأحاديثهم بعضهم مع بعض فقد جعل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من الصفات الفارقة بين المؤمن والمنافق أن المؤمن يصدق الحديث، والمنافق يكذب فيه، ففي الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان” فالمؤمن لابد إذا أن يكون صادقا في قوله وحديثه، وفي عمله واعتقاده، وكل منا ينبغي أن يحاسب نفسه على ذلك، فإنه من القبيح جدا أن يظهر التفريط بيننا في أمر الصدق، أو أن يقع أحدنا في آفة الكذب، سواء في القول أم الكلام أم العمل، كما يقع من البعض في أداء الأعمال دون إتقان، ودون روح.

 

ودون الجهد المطلوب، أم في الذكر والدعاء، بحيث لا يوجد الصدق في القلب، بل يكون الأمر مجرد كلمات أو حركات بلا رصيد في القلب وإصرار وإلحاح، أم في التعلم والعمل لنصرة هذا الدين والالتزام به، حيث يبدو التكاسل والتفريط والتخلف عن القيام بالواجب أو الدور المطلوب، وروى البخاري ومسلم والترمذي عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال، قال عمي أنس بن النضر “سميت به ” ولم يشهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر عليه فقال، أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه، أما والله لئن أراني الله مشهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بعد ليرين الله ما أصنع، قال فهاب أن يقول غيرها، فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد من العام القابل، فاستقبله سعد بن مالك فقال يا أبا عمرو أين ؟ قال واها لريح الجنة، أجدها دون أحد، فقاتل حتى قتل، فوجد في جسده بضع وثمانون.

 

ما بين ضربة وطعنة ورمية، فقالت عمتي الربيع بنت النضر، فما عرفت أخي إلا ببنانه، ونزلت هذه الآية رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا لفظ الترمذي، وقال هذا حديث حسن صحيح، وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه الآية، منهم طلحة بن عبيد الله ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصيبت يده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ” أوجب طلحة الجنة ” وفي الترمذي عنه أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لأعرابي جاهل، سله عمن قضى نحبه من هو؟ وكانوا لا يجترئون على مسألته، يوقرونه ويهابونه، فسأله الأعرابي فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم إني اطلعت من باب المسجد وعلي ثياب خضر، فلما رآني النبي صلى الله عليه وسلم قال أين السائل عمن قضى نحبه ؟ قال الأعرابي أنا يا رسول الله، فقال “هذا ممن قضى نحبه”

 

ولكن قيل أن هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث يونس بن بكير، وروى البيهقي عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من أحد، مر على مصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه، فوقف عليه ودعا له، ثم تلا هذه الآية من سورة الأحزاب ” من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ” ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة فأتوهم وزوروهم، والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه” وقيل النحب الموت، أي مات على ما عاهد عليه، وعن ابن عباس رضى الله عنهما، والنحب أيضا الوقت والمدة يقال قضى فلان نحبه إذا مات، والنحب أيضا الحاجة والهمة، فيقول قائلهم ما لي عندهم نحب، وليس المراد بالآية والمعنى في هذا الموضع بالنحب النذر.

 

أي منهم من بذل جهده على الوفاء بعهده حتى قتل، مثل حمزة وسعد بن معاذ وأنس بن النضر وغيرهم، ومنهم من ينتظر الشهادة وما بدلوا عهدهم ونذرهم، وقد روي عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قرأ ” فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ومنهم من بدل تبديلا” قال أبو بكر الأنباري وهذا الحديث عند أهل العلم مردود، لخلافه الإجماع ، ولأن فيه طعنا على المؤمنين والرجال الذين مدحهم الله وشرفهم بالصدق والوفاء ، فما يعرف فيهم مغير وما وجد من جماعتهم مبدل، رضي الله عنهم “ليجزي الله الصادقين بصدقهم” أي أمر الله بالجهاد ليجزي الصادقين في الآخرة بصدقهم، ويعذب المنافقين في الآخرة إن شاء أي إن شاء أن يعذبهم لم يوفقهم للتوبة، وإن لم يشأ أن يعذبهم تاب عليهم قبل الموت، أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى