مقال

الدكروري يكتب عن خير ما أعطي الرجل

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن خير ما أعطي الرجل

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الله سبحانه وتعالي يبتلي العبد وهو يحبه ليسمع تضرعه، فيحب الله عز وجل أن يسمع تضرع العبد إليه سبحانه وتعالى، فهل فكرت قبل أن تطرق الأبواب، وقبل أن تستغيث بالناس، وقبل أن تلجأ إليهم أن تفر إلى الرب الغفور الرحيم، وأن تلجأ إلى ذي الجلال والإكرام، فإنه قيل البلاء يستخرج الدعاء، فتجد الرجل لا يذكر ربه، لا يدعو الله، لا يقوم الليل، لا يقرأ القرآن، لا يتصدق، لا يفعل شيئا، فإذا نزل البلاء استخرج هذا كله، فدمعت عينه، ورفع يديه، خشع قلبه، سكنت نفسه، وتاب إلى الله، ولقد قيل لعبد الله ابن المبارك ما خير ما أعطي الرجل؟ قال غريزة عقل، قيل فإن لم يكن؟ قال أدب حسن، قيل فإن لم يكن؟ قال أخ صالح يستشيره، قيل فإن لم يكن؟ قال صمت طويل، قيل فإن لم يكن؟ قال موت عاجل، والناس يحبون الرجل الذي جمع بين الصلاح ورجحان العقل، ونبينا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم أرجح الناس عقلا.

 

ففي الجاهلية لم يسجد لصنم قط، مع كثرتها وتعلق الناس بها لعلمه أن هذه الأصنام جمادات لا تضر ولا تنفع، وكانت قريش تودع أموالها عنده، ويستشيرونه في أمورهم لرجحان عقله، وسداد رأيه، وكان يعتزل الناس، ويتعبد في غار حراء يسأل ربه الهداية، وقيل أن أبا بكر الصديق قال لزيد بن ثابت إنك رجل شاب عاقل، لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه، قال زيد فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال، ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن، وقيل أن جماعة من النصارى تحدثوا فيما بينهم، فقال قائل منهم ما أقل عقول المسلمين، يزعمون أن نبيهم كان راعيا للغنم، فكيف يصلح راعي الغنم للنبوة؟ فقال له آخر من بينهم أما هم، فوالله أعقل منا فإن الله بحكمته يسترعي النبي الحيوان البهيم، فإذا أحسن رعايته والقيام عليه، نقله منه إلى رعاية الحيوان الناطق، حكمة من الله وتدريجا لعبده.

 

ولكن نحن جئنا إلى مولود خرج من امرأة، يأكل ويشرب، ويبول ويبكي، فقلنا هذا إلهنا الذي خلق السموات والأرض، فأمسك القوم عنه، وإن هناك بعض التنبيهات وهو أن محل العقل القلب، وهو صريح قول الله عز وجل كما جاء فى سورة الحج ” أفلم يسيروا فى الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور” وقال الشيخ محمد الشنقيطي رحمه الله ومن الخطأ قول الفلاسفة إن محل العقل الدماغ، وقد تبعهم في ذلك قليل من المسلمين، وعامة علماء المسلمين أن محل العقل القلب، فمن ذلك قوله تعالى فى سورة الأعراف ” ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها” فعابهم الله بأنهم لا يفقهون، والفقه الذي هو الفهم، لا يكون إلا بالعقل، فدل على أن محل العقْل القلب، وقال تعالى فى سورة الحجرات ” ولما يدخل الإيمان فى قلوبكم” وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما.

 

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب” فإذا آمن القلب، آمنت الجوارح بفعل المأمورات وترك المنهيات لأن القلب أمير البدن، وذلك يدل دلالة واضحة على أن القلب ما كان كذلك، إلا لأنه محل العقل الذي به الإدراك والفهم، وأنه ليس كل من ادعى العقل يعتبر عاقلا، فقد يدعيه من هو سفيه أو أحمق، فالعاقل من ترفع عن السفاهات والمعاصي وخوارم المروءة كلها، وسما بنفسه إلى الطاعات ومكارم الأخلاق، وقال ابن حبان بعدما ذكر أقوال العلماء في تعريف المروءة، والمروءة عندي خصلتان، وهى اجتناب ما يكره الله والمسلمون من الفعال، واستعمال ما يحب الله والمسلمون من الخصال، واستعمالهما هو العقل نفسه، وقد ورد في الأثر إن مروءة المرء عقله، وقد يكون الإنسان ذكيا، ولكنه ليس بعاقل، فالذكاء هو سرعة البديهة والفهم.

 

والعقل ما حجز الإنسان عن فعل ما لا ينبغي، وإن العقل نوعان، حيث قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، العقل هو مناط التكليف، وهو إدراك الأشياء وفهمها، وهو الذي تكلم عليه الفقهاء في العبادات والمعاملات وغيرها، وعقل الرشد وهو أن يحسن الإنسان التصرف، وسمي إحسان التصرف عقلا، لأن الإنسان عقل تصرفه بما ينفعه، وقد يُعطى الإنسان القوة والذكاء والعقل، ولكن لا يوفق للهداية، وأمثلة هذا كثيرة، فأصحاب المخترعات العظيمة، كالكهرباء، والطائرات، والقنابل النووية، وغيرها، كثير منهم من غير المسلمين كاليهود والنصارى والملاحدة، بل ذكر الله عن قوم عاد أنهم كانوا أصحاب قوة وذكاء، بنوا حضارة من أحسن الحضارات، فقد قال الله تعالى عنها فى سورة الفجر ” إرم ذات العماد، التى لم يخلق مثلها فى البلاد” لكنهم لما جحدوا بآيات الله ما نفعتهم عقولهم ولا قوتهم بل صارت وبالا عليهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى