مقال

الدكروري يكتب عن المال العام في الإسلام

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن المال العام في الإسلام

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إذا كنا نعلم أهمية المال العام، ونعلم وجوب المحافظة عليه، ونعلم خطورة الاعتداء عليه في الدنيا والآخرة، فكيف إذن نحد من ظاهرة الاعتداء على المال العام، فمن ذلك أن تستشعر مراقبة الله تعالى لك في تعاملك مع المال العام، وأن تحافظ على بيئتك التي تعيش فيها وأن تتجنب إلحاق الضرر بها، وأن تنهج المنهج الوسطي فتحرص على ترشيد الاستهلاك وتتجنب الإسراف، وأن تتجنب أصحاب السوء الذين يزينون لك الإخلال بالأمانة، ومنها أن تبلغ عن المعتدين على المال العام فهو من تغيير المنكر، ومنها أن تجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوتك، وأن تعتقد بأن الله سيجازيك ويحاسبك على ما فعلت في وظيفتك وعلى ما فعلت في المال العام، وأن تتوب إلى الله من أي تقصير أو خيانة أو اعتداء على المال العام، وأن تبرئ ذمتك بإرجاع ما أخذته بالباطل، ومنها أن تتذكر الخزي للمعتدي على المال العام يوم القيامة إذا جمع الله الأولين والآخرين.

 

فكل عاقل يفكر في هذا المصير لا يجرؤ أن تمتد يده إلى المال العام، فالمال العام حُرمته كبيرة، وحمايته عظيمة، بموجب الشرع الحنيف، وهو أشد في حُرمته من المال الخاص، لكثرة الحقوق المتعلقة به، وتعدد الذمم المالكة له، فعلينا أن نتقي الله في المال العام، وأن نتذكر تحذيرات نبينا صلى الله عليه وسلم من افتضاح أمرنا يوم القيامة، وأن نقتدي برسولنا صلى الله عليه وسلم وصحابته والسلف الصالح، كأمثال عمر بن عبد العزيز فقد كان يُطفئ الشمعة التي تصرف له من بيت مال المسلمين بعد الانتهاء من النظر في أمور المسلمين، ثم يضيء شمعة من ماله الخاص بعد ذلك، فإن من أعظم ما استودع الله العبد الأمانة التي عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبت حملها، وحملها الإنسان ومن صفاته الظلم والجهل، ولقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الخيانة، فقال صلى الله عليه وسلم ” اللهم أعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة”

 

فتحمل المسؤولية العامة والمال العام أمانة عظيمة، يجب على كل من أنيطت به أن يتقي الله في نفسه، وأن يحذر تبديده أو صرفه في غير مواضعه أو الاعتداء عليه استغلالا للسلطة والنفوذ، فهذا مما حرمه الله جل في علاه وحرّمه رسوله صلى الله عليه وسلم، وليغلق الرسول صلى الله عليه وسلم الباب، حرّم حتى الإهداء لأصحاب المناصب، ولما أهدي لأحد أصحابه حينما ولاه على المال، قال صلى الله عليه وسلم “فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه، فينظر يُهدى له أم لا؟ ” رواه البخاري، فهذه الهدايا ما أهديت إلا نال مهديها نفعا، ولا شك أن هذا الإهداء سيكون على حساب مصلحة من مصالح العمل، والأدهى والأمر إذا بادر مسؤول بطلب مقابل من أجل تحقيق مصالح العباد، ولا شك أنها تكون على حساب مصالح الحق العام، فكم ظلم صاحب منشأة تورع عن الدفع لمسؤول من أجل أن يرسي عليها مشروعا وكم ظلم صاحب محل تعرض للابتزاز من مسؤول.

 

استغل سلطته فتسلط عليه بنفسه، أو سلط رجاله من أجل مصالحهم لا مصالح بلادهم، فالمال العام تجب حمايته وعدم أخذه بأي صورة من صور الأخذ، فعن أبي هريرة رضى الله عنه قال “قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره ثم قال لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول يا رسول الله، أغثني، فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة وهو صوت الفرس فيما دون الصهيل فيقول يا رسول الله، أغثني، فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء يقول يا رسول الله، أغثني، فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح، فيقول يا رسول الله، أغثني، فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق.

 

يعني غلّ ثيابا أو ما يسير مسار ذلك ويُدرج في سلكه فيقول يا رسول الله، أغثني، فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت ويعني ذهب أو فضة، فيقول يا رسول الله، أغثني، فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك” رواه البخارى ومسلم، فكل ما يأخذه المسؤول من مال الدولة أو عن طريق سلطته إنما هذا غلول سيسأل عنه من غلّ يوم القيامة، وروى الإمام مسلم وغيره عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنهما قال “لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا فلان شهيد وفلان شهيد، حتى مروا على رجل فقالوا فلان شهيد فقال صلى الله عليه وسلم كلا والذي نفسي بيده، إني رأيته في النار في بُردة غلها أو عباءة غلها، ثم قال صلى الله عليه وسلم يا ابن الخطاب، اذهب فنادى في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى