مقال

الدكروري يكتب عن إحياء القلوب بعد موتها

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن إحياء القلوب بعد موتها

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الله سبحانه وتعالى برحمته الواسعة كما يحيي الأرض بعد مواتها، فتنبض بالحياة، وتربو بالنبت والحيا، وتخرج الزروع والثمار، فكذلك القلوب حين يشاء الله تعالى، ومن ثم فلا يأس من روح الله ورحمته، ولا نفقد الأمل في قلب خبا إيمانه، وخمد، وطال عليه الأمد حتى قسا وتبلد، فما أقرب أن تدب فيه الحياة مرة أخرى، وأن يشرق فيه النور ويخشع لذكر الله ويلين، وأن يشع فيه نور الإيمان من جديد، فبذكر الله تدفع الآفات، وتكشف الكربات، وتهون المصيبات، وإن ذكر الله عز وجل هو جلاء القلوب وصفاؤها ودواؤها إذا مرضت، وكلما ازداد الذاكر في ذكره ازداد محبة إلى لقاء ربه، وإذا واطئ في ذكره قلبه للسانه نسي في جنب ذكره كل شيء، وحفظ الله عليه كل شيء.

 

وكان له عوضا من كل شيء، به يزول الوقر عن الأسماع، والبكم عن الألسنة، وبه تنقشع الظلمة عن الأبصار، فالذكر هو باب الله الأعظم المفتوح بينه وبين عبده ما لم يغلقه العبد بغفلته، وقد قال الحسن البصري رحمه الله “تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء في الصلاة، وفي الذكر، وقراءة القرآن، فإن وجدتم وإلا فاعلموا أن الباب مغلق” واعلم أن حياة قلبك أولى بالاهتمام من حياة جسدك، ذلك لأن حياة القلب تؤهلك، لئن تعيش حياة طيبة، طاهرة في الدنيا، وسعادة أبدية في الآخرة، بينما حياة الجسد حياة مؤقتة، سرعان ما تزول وتنقضي، ولا سبيل لعلاج حياة القلب وزيادة الإيمان فيه إلا بالطاعات، فهي كلها لازمة لحياة القلب كما يلزم الطعام والشراب لحياة الجسد، ومن أعظم ما يحتاجه قلب العبد من الأغذية النافعة.

 

هو ذكر الله عز وجل، فالذكر هو المنزلة الكبرى التي يتزود منها العارفون، وفيها يتاجرون، وإليها دائما يترددون، وهو قوت قلوبهم الذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبورا، وهو عمارة ديارهم التي إذا تعطلت عنه صارت بورا، وهو سلاحهم الذي يقاتلون به قطاع الطريق، وهو دواء أسقامهم الذي متى فارقهم انتكست منهم القلوب، وهو السبب الواصل والعلاقة التي كانت بينهم وبين علام الغيوب، وكان السلف إذا أظلهم البلاء، فإلى ذكر الله ملجؤهم، وإذا نزلت بهم النوازل فإليه مفزعهم، فهو رياض جنتهم التي فيها يتقلبون، ورؤوس أموال سعادتهم التي بها يتجرون، فإن الذكر يجعل القلب الحزين ضاحكا مسرورا، ويوصل الذاكر إلى المذكور أي إلى ربه عز وجل.

 

والذكر عبودية القلب واللسان، وهي عبادة غير مؤقتة، بل يؤمر العبد بذكر معبوده ومحبوبه في كل حال قياما وقعودا وعلى جنبه، وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله، إن للذكر فوائد كثيرة، فمن فوائده أنه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره، ويرضي الرحمن عز وجل، ويزيل الغمّ والحزن، ويجلب للقلب الفرح والسرور والبسط، وأنه يقوى القلب والبدن، وينور الوجه والقلب، ويجلب الرزق، وأنه يكسو الذاكر الحلاوة والمهابة، ويورثه محبة الله، وأنه يكسب العبد مراقبة ربه، فيدخل في باب الإحسان، فيصبح يعبد الله كأنه يراه، وأنه سبب ذكر الله عز وجل لعبده الذاكر، كما قال تعالى “فاذكرونى أذكركم” وفي الحديث القدسي الذي أخرجه البخاري ومسلم “فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم”

 

وأنه يورث حياة للقلب، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله “الذكر للقلب كالماء للسمك، فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء” وأنه يورث جلاء القلب من صدئه، إذ كل شيء له صدأ، وصدأ القلب الغفلة والهوى، وجلاؤه وصفاؤه الذكر والتوبة والاستغفار، وأن الذكر يحط الخطايا ويذهبها، فإنه من أعظم الحسنات، والله تعالى يقول فى سورة هود “إن الحسنات يذهبن السيئات” وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال “من قال في يوم وليلة سبحان الله وبحمده، مائة مرة، حُطت عنه خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر” ولا شك أن حضور حلق الذكر يؤدي إلى زيادة الإيمان، وذلك لعدة أسباب منها ما يحصل فيها من ذكر الله، ونزول الرحمة والسكينة، وحفّ الملائكة للذاكرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى