مقال

الدكروري يكتب عن تداعيات الهجرة النبوية

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن تداعيات الهجرة النبوية

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

لقد كان لهجرة النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم تداعيات كبرى على الدعوة المحمدية التي جاءت تحمل في طياتها قيما روحانية سامية، جعلت الحضارة الإسلامية تتبوأ مكانة رفيعة بين الحضارات، وإن الهجرة إلى المدينة سبقها تمهيد، وإعداد، وتخطيط من النبى صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك بتقدير الله تعالى، وتدبيره، وكان هذا الإعداد في اتجاهين، هو إعداد في شخصية المهاجرين، وإعداد في المكان المهاجر إليه، فقد حدث أولا التمهيد، والإعداد لها من حيث إعداد المهاجرين، فلم تكن الهجرة نزهة، أو رحلة يروح فيها الإنسان عن نفسه ولكنها مغادرة الأرض، والأهل، ووشائج القربى، وصلات الصداقة والمودة، وأسباب الرزق، والتخلي عن كل ذلك من أجل العقيدة، ولهذا احتاجت إلى جهد كبير، حتى وصل المهاجرون إلى قناعة كاملة بهذه الهجرة.

 

ومن تلك الوسائل هو التربية الإيمانية العميقة وكذلك الاضطهاد الذي أصاب المؤمنين، حتى وصلوا إلى قناعة كاملة بعدم إمكانية المعايشة مع الكفر، وقد تناول القرآن المكى التنويه بالهجرة، ولفت النظر إلى أن أرض الله واسعة، فقال الله تعالى فى سورة الزمر ” قل يا عبادى الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا فى هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب” ثم تلا ذلك نزول سورة الكهف، والتي تحدثت عن الفتية الذين آمنوا بربهم، وعن هجرتهم من بلدهم إلى الكهف، وهكذا استقرت صورة من صور الإيمان في نفوس الصحابة، وهي ترك الأهل، والوطن من أجل العقيدة ثم تلا ذلك آيات صريحة تتحدث عن الهجرة في سورة النحل، فقال تعالى ” والذين هاجروا فى الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم فى الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون، الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون”

 

وفي أواخر السورة يؤكد المعنى مرة أخرى بقوله تعالى فى سورة النحل ” ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم” وكانت الهجرة إلى الحبشة تدريبا عمليا على ترك الأهل، والوطن، ونلاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يسارع بالانتقال إلى الأنصار من الأيام الأولى وإنما أخر ذلك لأكثر من عامين حتى تأكد من وجود القاعدة الواسعة نسبيا، كما كان في الوقت نفسه يتم إعدادها في أجواء القرآن الكريم، وخاصة بعد انتقال مصعب رضي الله عنه إلى المدينة، وقد تأكد أن الاستعداد لدى الأنصار قد بلغ كماله، وذلك بطلبهم هجرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إليهم، كما كانت المناقشات التي جرت في بيعة العقبة الثانية، تؤكد الحرص الشديد من الأنصار على تأكيد البيعة، والاستيثاق للنبي صلى الله عليه وسلم.

 

بأقوى المواثيق على أنفسهم، وكان في رغبتهم أن يميلوا على أهل منى ممن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسيافهم لو أذن الرسول الكريم بذلك، ولكنه صلى الله عليه وسلم قال لهم “لم نؤمر بذلك” وهكذا تم الإعداد لأهل يثرب ليكونوا قادرين على استقبال المهاجرين، وما يترتب على ذلك من تبعات، وقد ورد الأمر بمجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن، وكأنه تهيئة للنفوس للمرحلة القادمة التي سيكون بين المسلمين وبين أهل الكتاب فيها احتكاك، فلا يكونون البادئين بالشدة، فيأتي التنبيه على هذا الأمر، وكذلك تهيئة النفوس للهجرة في أرض الله الواسعة، وربما كانت المدينة قد بدأت تستقبل المهاجرين من المؤمنين بعد بيعة العقبة الأولى، ومهما كان الأمر، وأنى كان وقت نزول سورة العنكبوت فإن الإشارة واضحة، والحث على الهجرة أيضا واضح ببيان تكفل الله الرزق للعباد في أي أرض، وفي أي زمان.

 

فقال تعالى ” يا عبادى الذين آمنوا إن أرضى واسعه فإياى فاعبدون” وهذه الآية الكريمة نزلت في تحريض المؤمنين الذين كانوا بمكة على الهجرة فأخبرهم الله تعالى بسعة أرضه، وأن البقاء في بقعة على أذى الكفار ليس بصواب، بل الصواب أن يتلمس عبادة الله في أرضه مع صالحي عباده أي إن كنتم في ضيق من إظهار الإيمان بها، فهاجروا إلى المدينة فإنها واسعة لإظهار التوحيد بها، ثم أخبرهم الله تعالى أن الرزق لا يختص ببقعة معينة، بل رزقه تعالى عام لخلقه حيث كانوا، وأين كانوا، بل كانت أرزاق المهاجرين حيث هاجروا أكثر، وأوسع، وأطيب، فإنهم بعد قليل صاروا حكام البلاد في سائر الأقطار، والأمصار، ولهذا قال تعالى فى سورة العنكبوت ” وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى