مقال

الدكروري يكتب عن صدق الوعد والوفاء

جريدة الاضواء ،

الدكروري يكتب عن صدق الوعد والوفاء

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن من صور السماحة عند الصحابة والتابعين هي سماحة الصحابي الجليل والخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقد خاض من خاض في عرض ابنته الطاهرة أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك ومنهم ابن خالته مسطح بن أثاثه رضي الله عنه قبل أن تنزل براءتها من فوق سبع سموات، وكان الصديق يُنفق على مسطح رضي الله عنه فلما بلغه ما يقول في الصديقة رضي الله عنها منع عنه ما كان يُعطيه إياه، فأنزل الله جل وعلا بعد أن برأها سبحانه مما رميت به رضي الله عنها، فقال تعالي كما جاء في سورة النور ” ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربي والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم”

 

فعند ذلك قال الصديق بلى، والله إنا نحب يا ربنا أن تغفر لنا ثم رجع إلى مسطح ما كان يصله من النفقة، وقال والله لا أنزعها منه أبدا، في مقابلة ما كان قال والله لا أنفعه بنافعة أبدا، فلهذا كان الصديق هو الصديق رضي الله عنه وعن ابنته، ولقد وصف الله نبيه إسماعيل عليه السلام بقوله تعالى ” واذكر فى الكتاب اسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا” وإن من الوفاء أن لا ينسى المرء من أحسن إليه أو أسدى إليه معروفا فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأوفياء كان وفيّا حتى مع الكفار، فحين رجع من الطائف حزينا مهموما بسبب إعراض أهلها عن دعوته، وما ألحقوه به من أذى، لم يشأ أن يدخل مكة كما غادرها، إنما فضل أن يدخل في جوار بعض رجالها.

 

فقبل المطعم بن عدي أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة في جواره، فجمع قبيلته ولبسوا دروعهم وأخذوا سلاحهم وأعلن المطعم أن محمدا في جواره، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم الحرم وطاف بالكعبة، وصلى ركعتين، ثم هاجر وكون دولة في المدينة، وهزم المشركين في بدر ووقع في الأسر عدد لا بأس به من المشركين فقال النبي صلى الله عليه وسلم “لو كان المطعم بن عدي حيّا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له” رواه البخاري، فانظروا إلى الوفاء حتى مع المشركين، وهذا هو أبا البحتري بن هشام؟ إنه أحد الرجال القلائل من المشركين الذين سعوا في نقض صحيفة الحصار والمقاطعة الظالمة التي تعرض لها رسول الله وأصحابه، في شعب أبي طالب فعرف له الرسول جميله وحفظه له.

 

فلما كان يوم بدر قال صلى الله عليه وسلم “من لقي أبا البحتري بن هشام فلا يقتله” يا لعظمة هذه الأخلاق ويا لروعة هذا الوفاء، ومن وفائه صلى الله عليه وسلم أنه لم ينسى الوفاء لزوجته السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها بعد موتها، فقد حفظ عهدها، ولم ينسى تلك الأيام التي عاشت معه فتقول السيدة عائشة رضي الله عنها “ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة، هلكت قبل أن يتزوجني وما رأيتها، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من ذكرها ولم يكن يسأم من ثنائه عليها واستغفاره لها، فذكرها يوما، تقول فحملتني الغيرة، فقلت لقد عوضك الله من كبيرة السن، قالت فرأيته غضب غضبا، أسقطت في خلدي، وقلت في نفسي اللهم إن أذهبت غضب رسولك عني.

 

لم أعد أذكرها بسوء، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما لقيت، قال “كيف قلت؟ والله لقد آمنت بي إذ كذبني الناس، وآوتني إذ رفضني الناس، ورُزقت منها الولد” قالت عائشة فغدا وراح عليّ بها شهرا، وجاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأحسن النبي صلى الله عليه وسلم استقبالها، فقال لها “كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا؟ قالت بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فلما خرجت، قلت يا رسول الله تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟ فقال يا عائشة إنها كانت من صواحب خديجة، وإنها كانت تأتينا زمان خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى