مقال

الدكروري يكتب عن الجاحد والخائن للعهود

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الجاحد والخائن للعهود

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن للوفاء بالعهود أثره المشهود، ذلك أن الوفاء بالعهد سواء باللسان أو الكتابة، برقابة من الله يحدث السرور في النفوس، ويوثق العرى بين الناس، ويرضي الملك القدوس، وأما الجاحد والخائن للعهود فإن باب الرضا دونه مسدود، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ الخائنين للأمانات قدوة بقوله “أدى الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك” فإن الحديث عن الوفاء حديث شيق وجميل، يتصف بعذوبة معانيه، وجميل مبانيه، لما يتصل به من محاسن الآداب التي تنم عن رقة قلوب من اتصفوا به، وما أحوجنا أن نتصف به في هذه الأزمان التي افتقدت رونقها الصافي، وغشاها القتر الذي أخفى جميل معالمها ولطيف محاسنها، وكم هي تلك المآثر التي تبيّن شرف هذا الأدب الرفيع.

 

حتى ضربت بأصحابه الأمثال، وسار بذكرهم الركبان عبر الليالي والأزمان؟ وكم أعلى الوفاء رتبة من اعتقله بيديه، وأغلى قيمةَ من جعله نصب عينيه، واستنطق الأفواه لفاعله بالثناء عليه، واستنطق الأيدي المقبوضة عنه بالإحسان إليه؟ وكفى بالوفاء فضلا وشرفا أن الله عز وجل قد أمر به في محكم التنزيل، وقال تعالى مادحا أهله فى سورة الرعد ” الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق” فما بالك بخلق أمر الله به ومدح من اتصف به؟ فإن الوفاء من أشرف السجايا، وأجمل الخصال، ومن أَجل ذلك فقد تنافس إلى بلوغه والاتصاف به شرفاء العرب، حتى خلدت أسماؤهم وصارت قرينة لاسمه حيثما ذكر ولذا فقد كانت العرب إذا مدحت رجلا لوفائه قالت “أوفى من السموأل”

 

لما اتصف به ذلك الرجل من عظيم وفائه ورعايته لعهده حتى ضُرب به المثل، فمما ذكرته قصص التاريخ أن امرئ القيس لما أراد المضي إلى قيصر ملك الروم أودع عند السموأل، دروعا وسلاحا وأمتعة تساوي مبلغا عظيما من المال، فلما مات امرؤ القيس أرسل ملك كندة يطلب الدروع والأسلحة المودعة عند السموأل، فقال السموأل لا أدفعها إلا لمن له الحق بها وأبى أن يدفع إليه منها شيئا، فعاوده، فأبى وقال لا أغدر بذمتي ولا أخون أمانتي ولا أترك الوفاء الواجب علي، فقصده لذلك ملك كندة بعسكره، فدخل السموأل في حصنه وامتنع به، فحاصره ذلك الملك والمصيبة أن ولدا للسموأل كان خارج الحصن، فقبض عليه الملك وأخذه أسيرا ثم طاف حول الحصن وصاح بالسموأل.

 

فنظر إليه السموأل من أعلى الحصن، فلما رآه قال له إنني قد أسرت ولدك، وها هو معي، فإن سلمت إليّ مال امرئ القيس الذي عندك رحلت عنك وسلمت إليك ولدك، وإن امتنعت من ذلك ذبحت ولدك وأنت تنظر، فاختر أيهما شئت، فقال له السموأل والله ما كنت لأخفر ذمامي وأبطل وفائي فاصنع ما شثت، فذبح ولده وهو ينظر، ثم لما عجز الملك عن الحصن رجع خائبا واحتسب السموأل ذبح ولده وصبر محافظة على وفائه، فلما جاء الموسم وحضر ورثة امرئ القيس سلم إليهم الدروع والسلاح، ورأى أن حفظ ذمامه ورعايةَ وفائه أحب إليه من حياة ولده وبقائه، فسارت الأمثال تضرب بوفاء السموأل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى