مقال

الدكروري يكتب عن العزة المنشودة والمنعة المأمولة

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن العزة المنشودة والمنعة المأمولة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إذا كان العالم الإسلامي يعيش منذ أمد بعيد في حالة تخلف حضاري فإن ما يتربع على قمة هذا التخلف هو التردي العلمي والتقني، والجمود والبطء في حركة الاجتهاد إزاء قضايا الدين ومستحدثات الحياة، فإذا أرادت الأمة كسر قيود التخلف فلا مفر من حركة إحياء للمعرفة والعلم، ولن يحدث ذلك إلا باستنفار لمشروع نهضة علمية أو ثورة معرفية تبدأ بالقضاء على الأمية، والارتقاء بمستوى التعليم، ونظم حفظ المعلومات، وتوظيف المعرفة، وتسخير التقنيات الصناعية والزراعية والتربوية، ولن يتحقق ذلك إلا بإرساء قواعد البحث العلمي وتنشيط حركته في المجالات الطبيعية والإنسانية على قدر سواء.

 

ولكن إذا ضاعت الأمة فقد تودع منها كل شيء, فانظروا إلي هذه البرامج الهابطة الساقطة التي لا شرع يبيحها ولا ذوق يصوغها, إنما هي بيع الوهم، واستعمال اسم النجم بدل اللفظ المناسب وهو الفحم, يجلس الشباب والشابات في أحوال يمجها الطبع السليم, ويرفضها الشرع الحنيف, ثم يأتى بعد ذلك الوالدان الذان فازت ابنتهما ليحمدا الله على فوز ابنتها, ويقول الأب “الحمد لله” يحمد الله على المعصية، الحمد لله الذى وفق ابنتي ولم يخيب ظنى وأملي, ورفعت ابنتي اسم بلدى، لا والله، لا بهذا يرفع اسم البلدان, وما بهذا تتحقق العزة المنشودة والمنعة المأمولة, فهذا الانبطاح وهذا الذوبان وهذا التهتك لا يجسد إلا حقيقة واحدة.

 

هي أننا ابتعدنا عن الله وعن شرع الله تعالى حتى انقلبت عندنا الحقائق, وأصبنا بعمى الألوان, وهذا يؤكد واقع عدم محاسبتنا لأنفسنا, إذ لو كان كل واحد منا يحاسب نفسه، ويزنها بميزان الشرع لما كان هذا مستساغ, وبالتالي لما كانت الأمة على ما هى عليه اليوم من تبعية وانبطاح وانهزامية، فإن إحساس النفس بأنها بدون حسيب ولا رقيب يجعلها تنطلق جامحة في كل اتجاه, تقتحم ميادين العهر والفجور وهي فرحة مسرورة, وهو فرح ظاهره البشر, وباطنه الحزن والخراب والبوار، وإن عدم وجود مبدأ المحاسبة في حياة الأفراد والمجتمعات يؤدى إلى التبلد وإلى فقدان الإحساس, وهذا هو الواقع الذى يؤدي إلى ضعف المسلمين واهتزاز فكرهم.

 

هذا الواقع الذي حجب ضوء الشمس عن عالمية الإسلام, ويبدو واضحا أن إزالة واقع الانحراف المزمن والمستقر بهذه الدرجة المشهودة والمشاهدة, يحتاج إلى جهد جهيد وإلى عزم أكيد، فلن يزول هذا الواقع بالترقيع الفكرى, أو الأداء الدينى الخالى من الفهم والإدراك, والإحساس بالمعاني, إزالة واقع الأمة الأليم لن يتحقق بعقد بضع مؤتمرات هنا وهناك, أو مسابقات أو معارض أو ما شابه، فإن إزالة الانحراف الهرم الذي سكن فينا يحتاج إلى اكتشاف أنفسنا من جديد، والعثور على ذاتنا, ومن ثم الوصول إلى الشعور الإسلامي, والتعامل وفق التصرف الإسلامي, ولا يتم ذلك إلا بالارتقاء في سلم الشريعة حتى نصل إلى درجة التوافق.

 

مع آفاق صاحب الشريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم, والموائمة والحزم والعزة والمراقبة والمحاسبة, وبذلك ينتهي العقم المزمن منذ قرون بتسليم قوة العلم والتفكير لإمرة الإسلام، وإخضاع رؤانا لرؤيته, وتحويل كل مكان إلى ميدان دعوة وساحة علم, لأن حبس الدين خلف جدران المسجد فقط هو ظلم لهذا الدين, وتحقيق لمراد أعدائه, وتعطيل للقوى الكامنة في قلوب المسلمين، فينبغي أن نتعامل مع ديننا، من منطلق الروح, من عالم المعنى من ساحات الحقائق من ميدان المقاصد, فليست العبادة مجرد حركات وإنما هى فرصة لترقية الروح وتخليصها من عبادة الذات والشهوات، لتلتحق بالملأ الأعلى, وترتقى إلى تلكم العوالم ارتقاء صفاء ونقاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى