مقال

الدكروري يكتب عن عالم النرجسية

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن عالم النرجسية

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

النرجسية، إنها الكلمة التي تجعل الإنسان لا يرى إلا نفسه، ولا يهتم إلا بشخصه، ترى هذا النوع من البشر مصابا بداء العظمة، هائما في عالم النرجسية، مستغرقا مع خيالات الطاوسية، وأنه هو دائما علي صواب وغيره خطأ، وهو معرفة وسواه نكره، وهو حاضر والباقي غائب، أفكاره هي المختارة، وأقواله هي المقدمة، فهو الأفهم والأقدر، وهو الأحرص والأنقى، فهذا النوع من البشر إن تحدث فدندنته حول نفسه، لا يفتأ من ذكر محاسنه وبطولاته، وتاريخه ومغامراته، ويحزن إن لم يبجّل، ويغتم إن لم يقم له، وهمه كيف تنصرف الوجوه لي، وتفكيره، كيف أجعل الأسماع تصغي إليّ؟ فهو مفتون بالأضواء، ومبهور بحب الشهرة.

 

فجرهذا المنتفخ بالأنا ذاته هي الأول والآخر، لا تهمه مصالح الآخرين، لا يعنيه شأن أمته، ولا يحزنه تدهور أوضاعها، فهذا النوع من البشر بحاجة إلى أن يتذكر حقيقته، وهو أنه بالأمس كان نطفة قذرة، وهو اليوم يحمل بين جنبيه عذره، وهو غدا محمول إلى حفرة، وإن فتنة الأنا لا تنبت إلا في نفس مريضة، وقلب عليل، ولكن لها مهيجات مغذيات تسوق سوقا إلى هذا الداء، فالمنصب العالي، والثراء الفاحش، والشهرة الواسعة فتن لمّاعة، ربما جرت صاحبها لمرض الانتفاخ والتعاظم، والمعصوم من عصمه الله عز وجل، وإن داء الأنا له صور وأشكال، قد يكون بلسان المقال، وقد يأتي بلسان الحال، قد يكون في صورة الغرور والتعالي.

 

وقد يأتي في شكل حب الذات والأنانية، وقد يأتي في سياق الوضوح والصراحة، وقد يجيء في صور التعريض والإلماحة، وإن الحديث عن النفس في سياق الإطراء صورة صريحة للأناء، ومرآة الناس بالأعمال صورة صامتة للأناء، وفي الحديث ” الرجل يقاتل ليرى مكانه” لا حظ له من أجر الشهادة، والنقد اللاذع للآخرين، وحشد هفواتهم، وتقزيم آرائهم، واحتقار أفعالهم، هي رسائل خفية لإعلان شأن الذات، والتعصب للرأي، وعدم الرجوع للحق، خشية التعرض للقدح والتنقص، هي أنا متجذرة، دالة على الكبر والغرور، والأنفة من النصيحة، استصغارا واحتقارا لأهلها نوع آخر من التكبر، سببه الأنا، والكبر في ميزان الشرع.

 

هو”بطر الحق، وغمط الناس” أي هو رد الحق واحتقار الناس، وكذلك التقدم على كبار السن في المجالس، فيه ما فيه من حب البروز، ونزعة الأنا، ومن يتخطى غيره في أماكن الترتيب والاصطفاف، ولا يقدر للناس وقوفهم وانتظارهم، تصرف مقيت، وأنانية مرذولة، ومن يغلق بسيارته الطريق، أو مراكب غيره، لأجل مصالحة الخاصة، تخلف حضاري يوحي بالأنانية والأنا، وأسوأ صور الأنا وأشنعها، أن يتطفل صاحب الأنا على مقام الشريعة بلا علم، فيجعل لنفسه حق الاجتهاد، والفتيا في النوازل، والفصل في مضائق المسائل، وهو مع ذلك جاهل بالناسخ والمنسوخ، لا يميز المحكم من المتشابه.

 

ولا يعرف الصحيح من الضعيف، وربما لا يحسن قراءة بعض آيات التنزيل، وليس كل من قال أنا، فهو بالضرورة قد وقع في داء الأنانية أو الغرور، ليس كل من قال أنا، فهو متعالي على الغير متكبر، كلا، قد قال خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم يوم حنين ” أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب” وقال صلي الله عليه وسلم “أنا سيد ولد آدم ولا فخر” فقد يتحدث المرء عن نفسه لحاجة، لا كبرا ولا مفاخرة، وإنما من باب الاقتداء به، أو للتحدث بنعمة الله عليه، والميزان في ذلك مقصد القلب، وما يكنه الصدر لا يعلمه إلا علام الغيوب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى