مقال

الدكروري يكتب عن المؤمن ليس معصوما

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن المؤمن ليس معصوما

بقلم / محمـــد الدكـــروري

لقد أمرنا النبي الكريم صلي الله عليه وسلم، ألا نسب الحمي، فقال صلي الله عليه وسلم ” لاتسبوا الحمى فهي لا تدع المؤمن وعليه من ذنب ” فالحالات الثلاث للمؤمن إن كان في ذنب، أو إن كان في تقصير، فالمؤمن ليس معصوما، لكن قد يقع في مخالفة بسيطة ينبغي ألا يصر عليها، فإذا أصرّ على الصغيرة، انقلبت إلى كبيرة، فقد ورد أنه لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار، وقال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه ” لكل شيء جلاء، وإن جلاء القلوب ذكر الله عز وجل” ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما، وجلاؤه بالذكر، فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء، فإذا ترك الذكر صدئ، فإذا ذكره جلاه، و صدأ القلب بأمرين، بالغفلة والذنب، وجلاؤه بشيئين بالاستغفار والذكر، فقال تعالى فى سورة الكهف. 

“ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا” فإذا أراد العبد أن يقتدي برجل فلينظر هل هو من أهل الذكر، أو من الغافلين؟ وهل الحاكم عليه الهوى أو الوحي؟ فإن كان الحاكم عليه هو الهوى وهو من أهل الغفلة، وأمره فرط، لم يقتد به، ولم يتبعه فإنه يقوده إلى الهلاك، وإن الذكر نوعان، أحدهما هو ذكر أسماء الرب تبارك وتعالى وصفاته، والثناء عليه بهما، وتنزيهه وتقديسه عما لا يليق به تبارك وتعالى، وهذا أيضا نوعان، فأحدهما إنشاء الثناء عليه بها من الذاكر، فأفضل هذا النوع أجمعه للثناء وأعمه، نحو سبحان الله عدد خلقه، والنوع الثاني الخبر عن الرب تعالى بأحكام أسمائه وصفاته، نحو قولك الله عز وجل يسمع أصوات عباده، وأفضل هذا النوع الثناء عليه بما أثنى به على نفسه، وبما أثنى به عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل. 

ومن غير تشبيه ولا تمثيل، وهذا النوع أيضا ثلاثة أنواع، حمد، وثناء، و مجد، فالحمد لله الإخبار عنه بصفات كماله سبحانه وتعالى، مع محبته والرضا به، فإن كرر المحامد شيئا بعد شيء كانت ثناء، فإن كان المدح بصفات الجلال والعظمة والكبرياء والملك كان مجدا، وقد جمع الله تعالى لعبده الأنواع الثلاثة في أول الفاتحة، فإذا قال العبد “الحمد لله رب العالمين” قال الله حمدني عبدي، وإذا قال “الرحمن الرحيم” قال أثنى عليّ عبدي، وإذا قال “مالك يوم الدين” قال “مجّدني عبدي” رواه مسلم، وأما النوع الثاني من الذكر، فهو ذكر أمره ونهيه وأحكامه وهو أيضا نوعان، أحدهما ذكره بذلك إخبارا عنه بأنه أمر بكذا، ونهيه عن كذا، والثاني هو ذكره عند أمره فيبادر إليه، وعند نهيه فيهرب منه، فإذا اجتمعت هذه الأنواع للذاكر. 

فذكره أفضل الذكر وأجله وأعظمه فائدة، فهذا الذكر من الفقه الأكبر، وما دونه أفضل الذكر إذا صحت فيه النية، ومن ذكره سبحانه وتعالى ذكر آلائه وإنعامه وإحسانه وأياديه، ومواقع فضله على عبيده، وهذا أيضا من أجل أنواع الذكر، فهذه خمسة أنواع، وهي تكون بالقلب واللسان تارة، وذلك أفضل الذكر، وبالقلب وحده تارة، وهي الدرجة الثانية، وباللسان وحده تارة، وهي الدرجة الثالثة، فأفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان، وإنما كان ذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده، لأن ذكر القلب يثمر المعرفة بالله، ويهيج المحبة، ويثير الحياء، ويبعث على المخافة، ويدعو إلى المراقبة، ويزع عن التقصير في الطاعات، والتهاون في المعاصي والسيئات، وذكر اللسان وحده لا يوجب شيئا من هذه الآثار، وإن أثمر شيئا منها فثمرة ضعيفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى