مقال

العلاقة بين صفقة الدبابات الأمريكية لأوكرانيا والتحالف العسكرى الصينى الروسى

جريدة الاضواء

العلاقة بين صفقة الدبابات الأمريكية لأوكرانيا والتحالف العسكرى الصينى الروسى

تقرير الدكتورة/ نادية حلمى

الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف

بعد تحذيرات نائب رئيس مجلس الأمن الروسى “مدفيديف” من إمكانية تأسيس تحالف عسكرى روسى صينى مناهض لواشنطن، باتت أهم التساؤلات والتحليلات التى تثار فى هذا الشأن، تدور فى مجملها حول:

هل تنفذ روسيا تهديداتها بتأسيس ذلك التحالف؟
ما هي الدول المحتمل أن تتحالف معها روسيا لمواجهة امريكا؟

وفى حالة تنفيذ روسيا لتهديداتها ضد الولايات المتحدة الأمريكية بتأسيس ذلك التحالف العسكرى المشترك مع الصين، هل يعنى ذلك إضعاف الهيمنة الأمريكية فى السياسة العالمية؟

ثم ما علاقة صفقة الدبابات التى تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا إرسالها لأوكرانيا بأمر ذلك التحالف العسكرى المشترك بين الصين وروسيا، وهل فعلاً تقبل الصين بتحالف عسكرى وطيد ومشترك فى مواجهة واشنطن عسكرياً؟

للإجابة على تلك التساؤلات، سنجد أن هناك بالفعل تعزيز قائم ومشترك للتعاون العسكرى بين الجانبين الصينى والروسى، من خلال تأكيد الرئيس الروسى “بوتين” لنظيره الصينى “شى جين بينغ” على أهمية التعاون الجيو إستراتيجى والتعاون الفنى – العسكرى بين البلدين فى أعقاب مناورات “التفاعل المشترك” فى عام ٢٠٢٢ بين البلدين، والتى جرت فى بحر الصين الشرقى فى ديسمبر ٢٠٢٢. مع تأكيد قائد القوات الروسية المشاركة فى المناورات العسكرية المشتركة مع الصين، بأنها تأتى كرد فعل على التزايد العنيف فى أعداد القوات الأمريكية الموجودة فى منطقة الإندو-باسيفيك بالمفهوم الأمريكى أو آسيا-المحيط الهادئ بالمفهوم الصينى والروسى. وهو ما يعنى أن روسيا تبدى إستعدادها للتعاون الوثيق مع بكين، وذلك رداً على المساعى الأمريكية لتطويق الصين، من خلال تأسيس أحلاف عسكرية وتكنولوجية أمريكية لمواجهة للصين كتحالف كواد الرباعى الأمريكى مع الهند واليابان وأستراليا أو عبر تحالف أوكوس الدفاعى النووى الأمريكى مع أستراليا وبريطانيا، أو من خلال دعم واشنطن لتايوان عسكرياً فى مواجهة بكين وزيادة مبيعات الأسلحة والمعدات العسكرية الأمريكية للجانب التايوانى، مما يثير حفيظة الصين.

كما بادرت الصين فى السنوات الأخيرة بتعزيز التعاون بين جيش التحرير الشعبى الصينى والقوات المسلحة الروسية من خلال إجراء تدريبات مشتركة ودوريات منسقة فى المنطقة المحيطة باليابان. وبالنسبة للجيش الصينى، فإن تعاونه مع الجيش الروسى والقوات المسلحة الروسية من شأنه أن يساهم بشكل كبير فى تنفيذ الإصلاحات العسكرية والأمنية والدفاعية التى يسعى الرئيس الصينى “شى جين بينغ” لتحقيقها، والتى تهدف لتحويل جيش التحرير الشعبى الصينى إلى واحد من أكبر القوات المقاتلة فى العالم لكى يماثل فى قوته الجيش الأمريكى.

ونجد أن هناك بالفعل تعاون عسكرى قائم ومشترك بين الطرفين الصينى والروسى فى مجال المناورات العسكرية المشتركة، والذى شهد زيادة واضحة فى الفترة الأخيرة، كما إكتسب هذا التعاون فى المجال الأمنى والدفاعى بين الصين وروسيا دلالات جيوسياسية واضحة. ففى مايو ٢٠٢٢، أجرت الصين وروسيا طلعات ومناورات جوية مشتركة فوق بحر اليابان وبحر الصين الشرقى، وهى التى تزامنت مع قمة قادة الحوار الرباعي الإستراتيجى، والمعروف بإسم “كواد” فى اليابان، وهو منتدى للتعاون السياسى تسعى واشنطن من خلاله لتحويله إلى تحالف عسكرى ضد الصين، وبالتالى فإن المناورات المشتركة لموسكو وبكين جاءت لتؤكد أن البلدين يتعاونان عسكرياً فى مواجهة محاولة واشنطن تأسيس أحلاف عسكرية ضدهما، وعلى رأسها تحالف أوكوس الدفاعى النووى الأمريكى مع أستراليا وبريطانيا فى مواجهة الصين.

كما أن جميع القمم الأخيرة التى تمت بين بكين وموسكو، جاء تركيزها فى مجملها على التعاون العسكرى الروسى مع بكين، فضلاً عن إجتماع الطرفين على تعزيز شراكاتهما الإستراتيجية فى مواجهة التهديدات الغربية، وعلى نيتهم ورغبتهم فى إقامة نظام دولى متعدد الأقطاب، بما يعنيه ذلك من نهاية النظام العالمى المهيمن عليه أمريكياً، وهو ما تسعى واشنطن للرد عليه من خلال دفع حلف الناتو العسكرى لتبنى سياسات لمحاصرة الدولتين الصينية والروسية.

ولقد أجرت الصين وروسيا عدة مناورات عسكرية مشتركة فى شبه جزيرة شاندونغ الصينية، وكانت تتركز بشكل أساسى على تدريبات مكافحة الإرهاب، وتم الإتفاق بعد ذلك على إجراء تدريبات بعثة السلام سنوياً تحت رعاية منظمة شنغهاى للتعاون (والتى تتكون من الصين، كازاخستان، قيرغيزستان، روسيا، طاجيكستان، أوزبكستان).

ثم أعقب ذلك إجراء عدة تدريبات بحرية مشتركة كانت تتم بشكل دائم، وقد أطلق عليها تدريبات ومناورات البحار المشتركة (أو التفاعل البحرى الروسى الصينى المشترك، كما أطلقها عليها الروس) وكانت تتم وتتركز بالأساس فى منطقة البحر الأصفر قبالة شبه جزيرة شاندونغ الصينية، بمشاركة العديد من السفن الحربية من كلا البلدين، وذلك فى مناورات لمحاكاة الدفاع الجوى المشترك والحرب المضادة للغواصات ومهام البحث والإنقاذ. ومنذ ذلك الحين، أصبحت تدريبات البحار المشتركة تقام سنوياً بين الجانبين الصينى والروسى (بإستثناء عام ٢٠٢٠) ويتم تغيير محتواها بإستمرار. ومنذ عام ٢٠١٣، إتسع النطاق الجغرافى للتدريبات الروسية الصينية، ليشمل مناطق خارج المحيط المباشر للصين، بما فى ذلك أوروبا، وبالترتيب الزمنى كانت تلك المواقع هى:

(بحر اليابان فى عام ٢٠١٣، وتدريبات بحر الصين الشرقى عام ٢٠١٤، والبحر الأبيض المتوسط وبحر اليابان فى ٢٠١٥، وبحر الصين الجنوبى فى ٢٠١٦، وبحر البلطيق وبحر اليابان فى ٢٠١٧، وبحر الصين الجنوبى فى ٢٠١٨، والبحر الأصفر فى ٢٠١٩، وبحر اليابان فى ٢٠٢١)

كما شاركت الصين فى مناورات فوستوك الروسية العسكرية المشتركة فى عام ٢٠١٨، والتى أجريت فى المنطقة العسكرية الشرقية فى روسيا وشارك فيها حوالى ٣٢٠٠ جندى صينى من جيش التحرير الشعبى الصينى. كما يقوم الجيشان الصينى والروسى بمهام عسكرية منسقة ودورية فى المنطقة الجغرافية والإقليمية المحيطة بالبحار وبالمجال الجوى حول اليابان. وتتم معظم التدريبات والمهام العسكرية المشتركة بين الصين وروسيا فى الجزء الشرقى من بحر اليابان، وذلك عبر مضيق تسوغارو الشمالى (بين منطقتى هونشو وهوكايدو)، وعلى طول ساحل المحيط الهادئ لليابان، ثم غرباً عبر مضيق أوسومى فى جنوب محافظة كاغوشيما اليابانية.

ويبقى الهدف الأساسى من إجراء مثل تلك المناورات العسكرية بين الصين وروسيا كما هو معلن لدى الطرفين، هو توحيد القوى ضد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها، خاصةً بعد توتر علاقاتها مع كلا البلدين. فضلاً عن خلاف روسيا مع الولايات المتحدة الأمريكية ومنظمة حلف شمال الأطلسى منذ الضم الروسى لشبه جزيرة القرم فى عام ٢٠١٤. وفى الفترة الأخيرة تفاقمت التوترات الأمريكية مع روسيا، بسبب غزو الأخيرة لأوكرانيا.

مع الوضع فى الإعتبار، بأن الرئيس الصينى “شى جين بينغ” لم يرد بشكل مباشر على الرغبة الروسية فى التعاون العسكرى المشترك، ولكنه إكتفى بالإشارة لإستعداد بكين لزيادة التعاون الإستراتيجى مع روسيا. وهناك فى الوقت ذاته تاكيدات أمريكية بعدم رصد واشنطن لأى مؤشرات على وجود دعم صينى لروسيا فى حربها ضد أوكرانيا، وذلك على عكس الحال مع كوريا الشمالية وإيران، واللتين أتهمتهما واشنطن بإمداد موسكو لهما بالذخيرة والطائرات المسيرة.

وهنا جاءت رسالة الرئيس “بوتين” لنظيره الصينى “شى جين بينغ”،بالتعبير عن رغبة روسيا فى تقارب الدولتين عسكرياً لمواجهة ما أسماه بالضغوط الغربية غير المسبوقة، مع تأكيد الرئيس بوتين بأحقية الدولتين فى الحفاظ على مواقفهما، ومبادئهما، وطموحاتهما لبناء نظام دولى عادل، فى إشارة روسية إلى النظام متعدد الأقطاب، والذى سوف يمثل نهاية للأحادية القطبية الأمريكية، بتأكيد الجانب الروسى لنظيره الصينى، بأن التعاون العسكرى بين الجانبين الصينى والروسى سيدعم السلم والأمن الدوليين.

وهنا تبدى واشنطن قلقها من مثل هذا التعاون، والذى قد يغطى أى نقص فى الإمدادات العسكرية التى تحتاجها روسيا لمواصلة حربها ضد أوكرانيا. وكان من الملفت أن تجاهل المسؤولين الغربيين هذه المرة توجيه تهديدات إلى الصين إذا ما سعت للتعاون عسكرياً مع روسيا.

وهناك تأكيد صينى رسمى عبر وسائل الإعلام الحكومية الصينية الرسمية التابعة للحزب الشيوعى الحاكم، بأن بكين ستواصل التمسك بموقفها الموضوعى والعادل بشأن الحرب فى أوكرانيا، والذى يقوم على أن الغرب تسبب فى إثارة هذا الصراع عبر إصراره على نشر قواعد حلف الناتو إلى دول تقع فى الجوار المباشر من الحدود الروسية، وهو ما يتماشى ويؤكد وجهة النظر الروسية، ويناقض نظيرتها الغربية، والذى ينظر إلى الحرب الروسية الأوكرانية بإعتبارها إعتداء من موسكو على دولة ذات سيادة.

وسنجد أنه عقب محادثات القمة بين الرئيس شى جين بينغ وبوتين (قبل وقت قصير من بدء روسيا غزوها لأوكرانيا)، أن كلا الجانبين الصينى والروسى يعارضان المزيد من توسع حلف الناتو، وأنهما يقفان ضد تشكيل تكتلات مغلقة ومعسكرات متعارضة فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وبهذه الطريقة أشارت الصين إلى دعمها لروسيا فى صراعها على السلطة مع الناتو فى مواجهة واشنطن والغرب.

كما إزداد التعاون الإقتصادى والعسكرى بين الصين وروسيا، وذلك منذ بدء وإنطلاق العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا فى فبراير ٢٠٢٢، وذلك برغم تهديد الولايات المتحدة الأمريكية لبكين فى بداية الحرب، من أن تعمل على مساعدة الإقتصاد الروسى على إيجاد بدائل تساعده على تلافى تداعيات العقوبات الغربية، غير أنه بات من الواضح أن بكين لم تلتفت إلى تلك التهديدات الأمريكية.

وهنا نجحت كلاً من الصين وروسيا فى إثارة غضب واشنطن عسكرياً، من خلال إجراء موسكو لعدة مناورات متعددة الأطراف بمشاركة الصين والهند فى نهاية عام ٢٠٢٢، وذلك للتأكيد على أن محاولات واشنطن لإضعاف العلاقة بين موسكو ونيودلهى وبكين عسكرياً لن تنجح

ومن هنا نستطيع القول، بأن العلاقات بين روسيا والصين شهدت تنامياً ملحوظاً فى النواحى العسكرية خلال الآونة الأخيرة، تجاوزت حد التصريحات إلى مستوى الفعل والتحركات العملية فى منطقة الإندو-باسيفيك أو المحيطين الهادئ والهندى، وذلك كرد فعل روسى صينى مشترك لمواجهة التحالفات الأمريكية مع حلفاؤها الإقليميين فى تلك المنطقة، وإتهامهما الجانب الأمريكى بسعيه وإستهدافه خنق البلدين بالأساس. خاصةً بعد سلسلة التحالفات الأمنية والسياسية والإقتصادية والعسكرية التى أقامتها الولايات المتحدة الأمريكية فى مواجهة الصين وروسيا فى منطقتهم الإقليمية، وعلى رأسها تحالفات (أوكوس-كواد) ضد مصالح دولتى الصين وروسيا بالأساس، متزامناً مع تصاعد حدة الإستفزازات الأمريكية فى مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبى، مع سياسة الحشد الأمريكى المستمر لحلفاءها بأوروبا، وفرض العديد من حزم العقوبات ضد موسكو لشل الإقتصاد الروسى بعد حرب أوكرانيا.

لذلك كان الرد الصينى الروسى فى المقابل، هو تقوية شبكة علاقاتهما العسكرية والدبلوماسية فى ظل توتر علاقاتهما مع الجانب الأمريكى وحلفاؤه، عبر شراكات سياسية وإقتصادية وتدريبات عسكرية مشتركة وواسعة، وحرص موسكو وبكين على إجراء مناورات بحرية منتظمة بين الجانبين كرسائل تهديد موجه لواشنطن بالأساس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى