مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن دقيق العيد ” جزء 3″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن دقيق العيد ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثالث مع الإمام إبن دقيق العيد، ثم سافر بعد ذلك إلى دمشق وسمع بها من الشيخ أحمد عبد الدايم وغيره، ثم اتجه إلى الحجاز ومنه إلى الإسكندرية فحضر مجالس الشيوخ فيهما، وتفقه، وبلغ غايته في شتى أنواع العلوم والمعرفة الإسلامية، وقد جمع بين فقهي الإمامين مالك والشافعي، ومكث بالقاهرة فترة يسيرة، اتجه على أثرها إلى مسقط رأسه قوص، حيث تقلد منصب التدريس بالمدرسة النجيبية، وهي إحدى المدارس الشهيرة في قوص، وهو لم يتجاوز السابعة والثلاثين من عمره، فالتف حوله المريدون يأخذون على يديه في مختلف الفنون والمعرفة الإسلامية، وقد ذكر الأدفوي في الطالع قال أخبرنا قاضي القضاة نجم الدين أحمد القمولي، أنه أعطاه دراهم وأمره أن يشتري بها ورقا ويجلده أبيض، قال فاشتريت خمسة وعشرين كراسا، وجلدتها وأحضرتها إليه.

 

وصنف تصنيفا وقال إنه لا يظهر في حياته، وقال ابن سيد الناس “لم أري مثله في من رأيت، ولا حملت عن أجل منه فيمن رأيت ورويت، وكان للعلوم جامعا، وفي فنونها بارعا مقدما في معرفة علل الحديث على أقرانه، منفردا بهذا الفنن النفيس في زمانه، وقال الأدفوي التقي ذاتا ونعتا، والسالك الطريق التي لا عوج فيها ولا أمتا، والمحرز من صفات الفضل فنونا مختلفة وأنواعا شتى، والمتحلي بالحالتين الحسنيين صمتا وسمتا، إن عرضت الشبهات أذهب جوهر ذهنه ما عرض، أو اعترضت المشكلات أصاب شاكلتها بسهم فهمه فأصاب الغرض، ولقد تفقه على والده في قوص بصعيد مصر، وكان والده مالكي المذهب، ثم تفقه على الشيخ عز الدين بن عبد السلام، فحقق المذهبين، وأفتى فيهما، وسمع الحديث، وولي قضاء الديار المصرية، ودرس بالشافعي ودار الحديث الكاملية.

 

ونشأ ابن دقيق العيد في قوص بين أسرة كريمة في صعيد مصر، تعد من أشرف البيوت وأكرمها حسبا ونسبا، وأشهرها علما وأدبا، فأبوه أبو الحسن علي بن وهب عالم جليل، مشهود له بالتقدم في الحديث والفقه والأصول، وعُرف جده لأبيه بالعلم والتقى والورع، وكانت أمه من أصل كريم، وحسبها شرفا أن أباها هو الإمام تقي الدين بن المفرج الذي شُدّت إليه الرحال، وقصده طلاب العلم، وقد بدأ ابن دقيق العيد طريق العلم بحفظ القرآن الكريم، ثم تردد على حلقات العلماء في قوص، فدرس الفقه المالكي على أبيه، والفقه الشافعي على تلميذ أبيه البهاء القفطي، ودرس علوم العربية على محمد أبي الفضل المرسي، ثم ارتحل إلى القاهرة واتصل بالعز بن عبد السلام، فأخذ عنه الفقه الشافعي والأصول، ولازمه حتى وفاته، ثم تطلعت نفسه إلى الرحلة في طلب العلم، وملاقاة العلماء.

 

فارتحل إلى دمشق في سنة ستمائة وستون من الهجرة، وسمع من علمائها ثم عاد إلى مصر، واستقر بمدينة قوص بعد رحلته في طلب الحديث، وتولى قضاءها على مذهب المالكية، وكان في السابعة والثلاثين من عمره، ولم يستمر في هذا المنصب كثيرا، فتركه وولى وجهه شطر القاهرة وهو دون الأربعين، وأقام بها تسبقه شهرته في التمكن من الفقه، والمعرفة الواسعة بالحديث وعلومه، وفي القاهرة درس الحديث النبوي الشريف في دار الحديث الكاملية، وهي المدرسة التي بناها السلطان الكامل سنة ستمائة وواحد وعشرين من الهجرة، ثم تولى مشيختها بعد ذلك، وكان على تبحره في علوم الحديث يتسدد في روايته، فلا يروي حديثا إلا عن تحري واحتراز، ومن ثم كان قليل التحديث لا عن قلة ما يحفظه ولكن مبالغة في التحري والدقة، وقد قال الإمام تقي الدين بن دقيق العيد.

 

في بيان عقيدة أهل السنة “بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله إله العالم، والصلاة على نبيه محمد سيد ولد آدم، نؤمن بأن الله تعالى موجود، حي، لا أول لوجوده ولا انتهاء، وكل من عداه من ملَك وفَلك ونفس وإنس وجن فوجوده من صُنعه سبحانه وتعالى، لا يستحق الوجود الواجب شيء سواه وأن السموات والأرض مُحدثة مُبدعة بعد العدم، كانت بعد أن لم تكن، ومن اعتقد قدمها فقد كفر، ونؤمن بأن الله تعالى عالم بجميع المعلومات، محيط علمه بالكليات والجزئيات، سميع يُدرك المسموعات، بصير يُدرك المُبصرات، سواء في علمه أجلى الجليات وأخفى الخفيات، لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وبأنه قادر على جميع الممكنات، لا يمنع قدرته مانع، ولا يدفع مشيئته دافع، قدرته على الأشياء بلا مزاج، وصُنعه لها بلا علاج، وهو على كل شيء قدير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى