خواطر وأشعار

التحليل الأسلوبي لقصيدة أعيدي الطفلة للشاعر لزهر دخان

جريدة الأضواء

التحليل الأسلوبي لقصيدة أعيدي الطفلة للشاعر لزهر دخان
مقالة لزهر دخان
إن التحليل الأسلوبي من أهم ما يجب أن يتقنه القاريء أو المستمع . ليسهل عليهما فهم ما قاله المخاطب الملقي . أو ما خطه الكاتب المبدع أو غير المبدع . مثلاً إن أي قاريء أو مستمع يستخدم التحليل الأسلوبي لما قرأ أو سمع . ولا أحد يمكنه الإستغناء عن التحليل الذي يتسنى له بعده الفهم .

التحليل الأسلوبي هو عبارة عن ترجمة فورية بإستخدام الذهن ،والعقل الظاهر ، وكذلك الأذن، والعين ،واللسان والضمير، ثم بعد الترجمة يحدث الفهم . وتتراوح مدد الترجمات حسب حاجة المتلقي لتفسير ما إستقبله من نصوصه. أو القاريء لما قرأه من مادة مكتوبة . وكذلك يلعب الذكاء دوره الكبير في تفاوت فترات التحليل بين الناس.

أما التحليل الأسلوبي الأدبي الذي يُقصدُ به تشريح النص الأدبي وتحليل معانيه وأصواته نحوياً وإيقاعه داخلياً وخارجياً . فهو عبارة على ممارسة في مجال اللغة والأدب. لها ما تضيفه للنصوص المُحللة من قيمة معلوماتية لا يُستهان بها. بحيث أنها تصبحُ في متناول من هم أقل فهماً وعلماً ودراية وسناً من المحلليين الأسلوبيين ومن الكتاب المبدعيين، بمختلف تخصصاتهم في الشعر أو القصة أو الرواية …إلخ.
ويبقى المُحلل الأسلوبي ليس ناقداً لأنهُ يُمارسُ عمله بناء على مراحل ومستويات وقواعد وأغراض التحليل الأسلوبي . بينما الناقد يُمارس عمله على أساس الإبداع غير المُقيد. فهو الأكثر حرية في قراءة كل سطور النص وما بينها .حتى يصل إلى الأسطر التي تعذر على الكاتب كتابتها فيكملها له .وإذا إكتشف أنه تعمد حذفٌ يُحاكمه ويُقاضيه ويُصدر حُكمه في حَقه. أو يَحدثُ العكس إذا كان المنقودُ قد أتقنَ الكتابة دُون كئابة أو رَتابة ..

المستوى الصوتي في قصيدة أعيدي الطفلة للشاعر لزهر دخان
الإقاع الخارجي
إن قصيدة أعيدي الطفلة من قصائد شعر التفعيلة . وهذا يعني أنها قصيدة لا خليلية . وبالتالي هي لا تحتاج إلى تنظيم تفاعلي على وزن من الأوزان الخليلية الستة عشرة .
ولا داعي لتقطيعها تقطيعاً عُروضياً هذا على الرُغم من أنه هُناك بعض المطورين المُعاصرين من اللغويين في الجامعات العربية اليوم. يفعلون ويقطعون قصائد شعر التفعيلة عُروضياً . ويحتسبون التفعيلة بحراً من أبحر الشعر العربي .
لا توجد في قصيدة أعيدي الطفلة قافية واحدة لتكون القصيدة بتفعيلة واحدة . وقد جاءت نهايات أسطر الشعر مختلفة وتعددت أحرف الروي بين العين والدال والتاء المربوطة . وجاءت هذه الأحرف برنة وطنة تُسمِعُ المُتلقي فتنبهه إلى أنه لا يقرأ نصاً عادياً. وهو يقرأ ويتلقى شعراً مُوسيقياً مُزجت شاعريتهُ وعلاقاتهُ بأحداث حياتية هامة مع موسيقى الحرف. وهذا ما يجب على المحلل الأسلوبي الوصول إليه وهو المستوى الصوتي من القصيدة ..أو ما يُسمى بالإقاع الخارجي ، الذي يَعزفِهُ الحَرف العَربي بأسلوب الشاعرالخَاص .

يجب أن يظبط الإيقاع الصوتي بشكل نهائي ومتفق عليه.حتى يكون هناك معاني ثابة للكلام المكتوب كنص شعري . وهذا ما يسمى بالعروض . وهي الحركات الإعرابية لأحرف العربية بما فيها التشديد بالإدغام والتنوين بالشرطتين .
الإقاع الداخلي
بعد ظبط الإقاع الصوتي خارجياً يحين دور ظبط المعاني أي المستوى الصوتي ممثلاً في الإقاع الداخلي . فيجب أن تكون الكلمات ظاهرة المعنى عند الأسلوبيين . ثم يحين دور المعاني نفسها فإذا كانت هناك معاني مبطنة ،وهذا ما يوجد بكثرة في أساليب الشعراء . يترجم الكلام المبطن إلى كلام مفهوم .
تحليل لقصيدة أعيدي الطفلة بقلم الشاعر لزهر دخان صاحب القصيدة.
(بِاليَومِ يَكُونُ السِربُ وَلاَ أَبيعُ) في هذه الجملة يظهر الشاعر تعلقه بأسراب حمام يربيها في بيت العائلة. وهو يشير إلى أن الحمام يأخذ منهُ وقتهُ الثمين . ومع هذا سيبقى معهُ مشغولاً عن أهمية يومهِ العادي .وليس لهُ رغبة في بيع أسراب الحمام بمواعيد أخرى تكون ممثلة في قضاء يوم أخر في شغلٍ أخر .
(بِاللومِ تَكُونُ الحَربُ ولاَ أُطيعُ ) وهذا الكلام موجه إلى حروب الدنيا والأرض . التي تكون بالتعبئة والتحريض والدعوة والفتنة ..إلخ . من أمور إختزلت في اللوم وهو لوم غير قادر على أن يجعل من الشاعر الشخص التابع المطيع .
(أمسيتي وتَبْدَأ بِكُلِ فَوضى الوَاو) يظهر جلياً أن الأمسيات الشعرية هي المقصودة ، فهي تبدأ بفوضى الحروف وأبرزها الواو الذي يجمع بين الأصالة والحداثة ..
(شِعْراً وَرَتلتهُ طِفلةً وَوَالدْ ) يرغب الشاعر بهذه العبارة في الإعتناء بطفولة إبنته وتربيتها على أسلوبه ويشركها في برنامج حياته الأدبية . ثم يطلب من زوجته أن تترك له أمر تربيتها على مشيئة والدها الأديب .
يسمع الوالد إبنته عندما تقلده قائلة لآمها :
أمْسيتِي مَجرُورَة وَسَاكنة وَمَرفُوعَة
قَدَّ تَم تَعذيبُ الحَرفُ
التقليدُ ،تَماماً هُو الشَارب
التَنويم تَماماً هُو الشَاي
التَنحِي تَمَاماً هُو الوَالد
وهكذا أظهرت الطفلة ماذا حدث في أمسيتها الشعرية .وكيف أسمعت صوت حروفها بإقاعها الخارجي إلى من لا يسمعون إلا بتعذيب الحرف حتى يصبح بعد التعذيب شعر . وإنه شعر خاص بسلالتها فهو تماماً بالتقليد الوراثي . ورغم أنها طفلة فهي لها دور الرجل الوالد . وهي تحب الشاي مثله وكذلك ستكون نهايتها بتوريث الشعر والكلمة الراقية إلى أبنائها وبناتها. وتتنحى مثلما تنحى الوالد عن عرش قصيدته .

كما أن الطفلة وصفت أفعال أخرى من فصول تقليدها لوالدها وكيف أتعبته تربيتها . ووصفته بالرجل المضحك والتاريخ المضحك لأنها أفقدته صوابه في أكثر من مرة . فكان كالمجنون المُسلي الذي يُعرف بأنه لعبة بين يديها . كما أشارت إلى أن أمها دائماً تخسر الرهان أمامها عندما تستحوذ الطفلة عن كل حب رجل البيت ووقته وجهده وإهتمامه .

شبهت الطفلة والدها بالمجاهد الذي يقود ثورة الحروف . وقارنت بينه وبين البطل الصنديد الذي يدافع عن الوطن ببندقيته.
فقد تم تحسين العلاقة بين الحروف والبندقية
حتى أصبحت تعرف أن لهذا الكوخ شيخاً وثورة

ودخلت الطفلة مرحلة إنتهاء حياة والدها فترحمت عليه . وقالت إنه والد تذكر هامته عند كل مذياع . يعني أنه مشهوراً تذاع أغنياته وقصائده فيهتز لها كل مذياع ويطرب جرائها كل مُذِيع وسَمِيع . وعند لحظات حُزنها العميقة بليغة الأثر في نفسها تكمل الإبنة قصيدة الوالد وتسردها إلى النهاية .متعهدة بعدم الإستسلام أمام النسيان .. لأنها سوف تتذكر من ستنتج منه نماذج أخرى .
قصيدة /أعيدي الطفلة / هي القصيدة رقم 1 في ديوان أعيدي الطفلة للشاعر لزهر دخان وهو الديوان الذي يحمل نفس العنوان .
ـــــــــــ /أعيدي الطفلة / ــــــــــ
باليوم يكون السرب ولا أبيع
باللوم تكون الحرب ولا أطيع
أمسيتي وتبدأ بكل فوضى الواو
شعراً ورتلته طفلة ووالد
أعيدي الطفلة

أمسيتي مجرورة وساكنة ومرفوعة
قد تم تعذيب الحرف
التقليد ،تماماً هو الشارب
التنويم تماماً هو الشاي
التنحي تماماً هو الوالد
أعيدي الوالد
وإسأليني يا أماه كم عمر شفتي أنا أيضاً
كم فصلاً في مدرستي أنا أيضاً
كم حُباً في روضتي أنا أيضاً
والطفولة تضحك
والدي تاريخ مُضحك
أمي أعيدي لي التاريخ المُضحك
فقد تم تحسين العلاقة بين الحروف والبندقية
حتى أصبحت تعرف أن لهذا الكوخ شيخاً وثورة
أمي أعيدي والدي
نواصل الحديث.. والمترفي خطواتي يسمونه مناجات الرب
والمسير يُسمونه شيء من الطريق
من العودة صوب الأب ..وأخترع جداً جديداً
أسميه أربعة أسماء
أربعة أعمار
أربعة ثوار
أربعة أزهار
ونوع واحد من عِدمِ الدَّمعِ
والدٌ تذكرُ هامتهُ عند كل مذياع
أمي أعيدي والدي
بكل أزراره
بكل أسراره
بكل أقلامه
إعادة أسبوعية
وسنوية وشتوية وصيفية
وربيعية وخريفية
ثمانين عاماً مثلماً يُريد
كاملاً بخبرة ما بعد التقاعد .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى