القصة والأدب

الدكروري يكتب عن صاحب كتاب قمع الحرص بالزهد

الدكروري يكتب عن صاحب كتاب قمع الحرص بالزهد

الدكروري يكتب عن صاحب كتاب قمع الحرص بالزهد

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ذكرت المصادر التاريخية الإسلامية الكثير عن الإمام القرطبي، وكان من مظاهر ورعه وزهده، هو تصنيفه كتابي قمع الحرص بالزهد والقناعة والتذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، ومن مظاهره أيضا هو ذمه الغنى الذي يجعل صاحبه مزهوا به، بعيدا عن تعهد الفقراء، ضعيفا في التوكل على رب الأرض والسماء، وأيضا كانت من أهم ملامحة الشخصية هو شجاعة القرطبي، وجرأته في الحق، ولا غرابة في أن يكون القرطبي شجاع القلب، جريئا في إعلان ما يراه حقا لأنه قد اكتسب تلك الأسباب التي تسلحه بهذه الجرأة من علم واسع، وورع مشهود، واستهانة بالدنيا ومظاهرها، لهذا كان رحمه الله تعالى ممن لا تأخذه في الله لومة لائم، ويتمثل هذا في إيمائه في أكثر من موضع في تفسيره.

 

إلى أن الحكام في عصره حادوا عن سواء السبيل، فهم يظلمون ويرتشون، وتسود عندهم أهل الكتاب، ومن ثم فهم ليسوا أهلا للطاعة، ولا للتقدير، وإن الدليل علي ذلك هو ما كتبه في التذكرة إذ يقول القرطبي هذا هو الزمان الذي استولى فيه الباطل على الحق، وتغلب فيه العبيد على الأحرار من الخلق، فباعوا الأحكام، ورضي بذلك منهم الحكام، فصار الحكم مكسا، والحق عكسا لا يوصل إليه، ولا يقدر عليه، بدلوا دين الله، وغيروا حكم الله، سماعون للكذب أكالون للسحت، وقال قول الحق سبحانه وتعالي ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون” وكان رحمه الله فيما عرف عنه أنه يُعنى بمظهره دون تكلف وبذخ، إذ كان يمشي بثوب واحد مما يدل على رقة حاله، وأنه لم يصب من الغنى ما يجعله يعيش حياة مترفة.

 

وإن الدارس لحياة القرطبي ليعجب كل العجب من حياة الجد والصرامة التي أخذ نفسه بها حتى ألفها، فهو رحمه الله تعالى قد كرس حياته للعلم والمطالعة والتأليف، دون أن يؤثر عنه ملل أو سأم، أو يُعرف عنه أنه كان يتوقف عن ذلك لراحة أو استجمام ولذا وصفه مترجموه بقولهم أوقاته معمورة ما بين توجه وعبادة وتصنيف، ولا شك أن جدية الإمام القرطبي كانت بسبب استشعار قيمة وعظمة ما يدرس ويصنف، فهو على صلة دائمة مع النصوص الشرعية التي تحث على الصدق في القول والعمل، ومخاطبة الناس بالطيب من القول، وتنهى عن السفه وبذاءة اللسان، وتنفر من الكبر والرياء والنفاق، وتحذر من الافتتان بمباهج الحياة والانسياق وراء مغرياتها، حيث كانت البواعث النفسية التي كانت تسيطر على الإمام القرطبي.

 

أنه كثير الهم على مسلمي عصره، شديد التمسك بسنة نبيه ومتأثر بما حل ببلاده، حريص على العلم الشرعي، فضلا عن تأثره بخُلق كثير من مشايخه لا سيما المحدثين منهم، الذين كانوا يتصدرون لتدريس الحديث وروايته، ويحرصون كل الحرص على التقيد بالآداب العامة، ويتشددون في التزامها والتحلي بها كي يكون لهم المهابة والوقار في نفوس مستمعيهم وطلابهم، وحتى لا يكون هناك تناقض بين سلوكهم وأقوالهم، بل هم يشددون على أنفسهم كي يكونوا قدوة حسنة لتلاميذهم، وكما كان القرطبي رحمه الله تعالى يلتزم الأصول العلمية، ويتبع أساليب العلماء الفضلاء الذين لا يعنيهم إلا أن يثبتوا الفضل لأهله، ويتورعوا عن أن ينسبوا لأنفسهم ما ليس لهم وهذه هي الأمانة العلمية.

 

التي يعمل علماء العالم الآن على تأصيلها، وتثبيت قيمها، واتخاذ أساليب لتنفيذها ولا يتصور أنها تخرج عما ارتضاه الإمام القرطبي لنفسه حين كتب تفسيره حيث قال وشرطي في هذا الكتاب إضافة الأقوال إلى قائليها، والأحاديث إلى مصنفيها، فإنه يقال من بركة العلم أن يضاف إلى قائله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى