مقال

في الأخلاق تتقدم الإستقامة على التسوية

في الأخلاق تتقدم الإستقامة على التسوية

في الأخلاق تتقدم الإستقامة على التسوية    

كتب / يوسف المقوسي

 

الأخلاق مسألة فردية؛ هي أن يعمل المرء حسب ضميره فقط من دون حسابات خارجية. الفساد علاقات اجتماعية؛ هو أن يعمل المرء بما يفيده في علاقاته مع الآخرين. في الأخلاق يتصرّف المرء حسب ما هو مقتنع به، مهما كانت النتائج. في الفساد تُحسب النتائج، وهي الربح دائماً، ولو كان ذلك على حساب القانون والأخلاق.

 

يمكن أن تؤدي الأخلاق الى أعمال قبيحة أو حسنة. ويمكن أن يؤدي الفساد الى أعمال قبيحة أو حسنة. لا هذه خير مطلق ولا ذاك شر مطلق. تمتنع عن فعل أخلاقي إذا كان ذلك مخالفاً للقانون. وتصر في الفساد على عمل سيّء ولو كان مخالفاً للقانون. الفعل الأخلاقي الذي يخالف القانون تُحاسب عليه. فعل الفساد الموافق للقانون لا يهتم باسبابه ونتائجه أحد.

 

ذوو الأخلاق لا يستطيعون التصرف إلا حسب الأصول خوفاً من الغرامات. يبدو أن الفقراء مضطرون للتصرّف أخلاقياً لأن النظام الاجتماعي-الاقتصادي (الرأسمالية) لا يترك أمامهم خياراً آخر. الأخلاق تقتصر على الفقراء، إذ ليس بوسعهم ممارسة غيرها. ولا تشمل الأقلية من الطبقات الميسورة العنيدين في اتباع ضميرهم.

أهل الفساد يحميهم النظام. هناك سيل من المحامين المستعدين لتقديم خدماتهم لقاء مقابل. المقابل المادي لا يستطيع أن يدفعه إلا الأغنياء الذين يتوفر لديهم المال. الفرص في النظام الرأسمالي متاحة لذوي المال. فرص الربح كثيرة إذا خالفوا القانون. الربح هو المثال الأعلى. المطلب الأعلى. الذي يجني مبالغ كبيرة من المال يستطيع القيام بأعمال البر والإحسان من أجل السمعة الحسنة. بالسمعة الحسنة يقترب من الناس. يصير وجهاً اجتماعياً يتقرّب منه رجال الدين. يسخّرون له مرضاة الله. الدين يعظ الفقراء للقبول بما هم عليه، ويمدح الأغنياء في سبيل المزيد من أعمال البر والإحسان. يصير الله مسخراً للأغنياء وحدهم. يدخل في عداد جماهير المصفقين للأغنياء وأهل الثروة. هو واحد منهم. الملك لله. كل شيء على الأرض ملكه، له، خاصته، يفعل به ما يشاء. الأغنياء والرأسماليون يمثلونه على الأرض يشاركونه في الملكية. اشتراكية في الملك يشارك فيها الله، وتقتصر على الرأسمالية العليا .

 

أصحاب الضمير والأخلاق يُستبعدون من ملكوت السماء. لا يكرّم في احتفاليات البر والإحسان إلا الأغنياء. هم الوحيدون الذين يستحقون بركة الله ومدحيات رجال الدين. لا اكتراث لأصحاب الضمير. أصحاب المال لديهم ما يبذلونه للبر والإحسان. الفقراء الذين لا يملكون شيئاً (وهم أكثر من نصف البشرية) ليس لديهم ما يبذلونه؛ هم محرومون من بذل البر والإحسان، ومن مدح رجال الدين، وربما من بركة الله.

 

الفساد علاقة اجتماعية، يحتمّها النظام الاقتصادي-الاجتماعي-السياسي (الرأسمالية). هو في حده الأدنى رشوة. وفي حدود أخرى تقديم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة؛ وهذه ليست مسألة فردية. الأحزاب والطوائف وكل التنظيمات السياسية تفترض تقديم مصلحة الجماعة التي تنتمي إليها على المصلحة العامة. السياسة المفيدة للمجتمع ليست إدارة المجتمع بتجرّد وحسب، بل هي التسوية بين مختلف الأطراف أي التخلي عن بعض المصالح للحفاظ على معظمها. تراكم التسويات هو ما يحفظ إصرار المجتمع. لكن في التسويات تنازلات عما يعتبر الحق، وقبول للآخرين بما لنا من بعض الحق. السياسة التي تحفظ استقرار المجتمع تستدعي الفساد، بمعنى ما، عندما تتنازل. لكن التنازل ضروري من أجل المصلحة العامة. التنازل عن بعض المصلحة العامة فساد. عندما تتنازل كل الأطراف، وهذا ضروري، يكون الفساد عاماً. يُبنى تقدم المجتمع على الفساد.

 

في الأخلاق تتقدم الاستقامة على التسوية. يتقدم الموقف الفردي على ما هو اجتماعي وسياسي. يحاول صاحب الأخلاق أن يحافظ على نقاوة الممارسة المنسجمة مع ضميره على حساب كل العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. يصعب المحافظة على الأخلاق في مجتمع سياسي، خاصة إذا كان رأسمالياً، والذي يجعل الربح هو الهدف المنشود لا الاستقامة الفردية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى