مقال

الدكروري يكتب عن محاسبة النفس في رمضان” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن محاسبة النفس في رمضان” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

تمر الأيام سريعا وتنقضي والكل في غفلة إلا ما رحم الله من عباده، أما وقد مضى من شهر رمضان النصف وزيادة، فإن على المسلم أن يقف مع نفسه وقفة محاسبة جادة، يسأل فيها نفسه ماذا قدم فيما مضى؟ وعلام هو عازم فيما بقى؟ هل وعى الدرس الرمضانى الكبير فانتصر على نفسه، وقتل شهواتها، وحطم أصنامها؟ هل حقق العبودية التامة لربه امتثالا واجتنابا؟ وإن على المسلم وقد مضى ثمانية أيام من شهره، وقدم فيه ما قدم، أن يحذر من آفة طالما أصابت السالكين، فجعلت استفادة بعضهم من مواسمِ العبادة ليست بتلك، تلكم هي آفة الفتور بعد النشاط، والتراخى بعد الشدة، والتى مِن البلاء أنها لا تصيب صاحبها، إلا فى ختام الشهر وليالى العشر، وبدلا من الازدياد والتزود بعد التعود، تخور القوى، وتفتر العزائم، ويظهر الكلال، ويدب إلى النفوس الملال.

 

وما هكذا ينبغى أن يكون المؤمن، كيف وقد قال الله تعالى فى سورة آل عمران ” يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون” فطريق الفلاح فيه من الطول ما فيه، ويعترى سالكه من التعب ما يعتريه، وقد حُفت الجنة بالمكاره، ومَن بعُدت عليه الشقة، واستهوته الأعراض القريبة، تقاصرت همته دون اتباع الهادى، وتخلف عن ركب الناجين، ومن ثم كان لا بد من الصبر والمصابرة والمرابطة، وإتقان العمل، والإحسان والمجاهدة، وبذل الجهد، وتقوى الله قدر الاستطاعة لعل الفلاح أن يكون خاتمة العبد، وثمرة عمله، ولعل ربه أن يرزقَه مِن معيته ما يتقوى به على طاعته، ويهتدى به إلى سبل مرضاته، فقال تعالى كما جاء فى سورة النحل “إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون” وقال تعالى فى سورة العنكبوت” والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين”

 

وكان من إنتصارات شهر رمضان هى معركة عين جالوت، حيث انتصر المسلمين على التتار، بين المسلمين بقيادة سيف الدين قطز والمغول، وذلك فى عهد الدولة المملوكية قد استطاع سيف الدين قطز، والظاهر بيبرس، صد الغزو المغولى الذى اجتاح أجزاء واسعة من العالم الإسلامي في معركة عين جالوت قرب الناصرة فكانت واحدة من أهم وأشهر المعارك الإسلامية، وفى شهر رمضان من عام ستمائة وثمانية وخمسين من الهجرة، خرج سيف الدين قطز من مصر على رأس الجيوش المصرية، ومن انضم إليه من الجنود الشاميين وغيرهم، وترك نائبا عنه فى مصر هو الأتابك فارس الدين أقطاى المستعرب، وأمر الأمير بيبرس البندقدارى، أن يتقدم بطليعة من الجنود، ليكشف أخبار المغول، فسار حتى لقى طلائع لهم في غزة، فاشتبك معهم.

 

وألحق بهم هزيمة كان لها أثر فى نفوس جنوده، وأزالت الهيبةَ من نفوسهم، ثم تقدم السلطان قطز بجيوشه إلى غزة، فأقام بها يوما واحدا، ثم رحل عن طريق الساحل إلى عكا، وكانت لا تزال تحت سيطرة الصليبيين، فعرضوا عليه مساعدتهم، لكنه رفض، واكتفى منهم بالوقوف على الحياد، وإلا قاتلهم قبل أن يقابل المغول، ثم وافى السلطان قطز، الأمير بيبرس، عند عين جالوت، بين بيسان، ونابلس، وكان الجيش المغولى يقوده كيتوبوقا، أو كتبغا بعد أن غادر هولاكو الشام إلى بلاده للاشتراك فى اختيار خاقان جديد للمغول، وجمع القائد الجديد قواته التى كانت قد تفرقت ببلاد الشام فى جيش موحد، وعسكر بهم في عين جالوت، وما كاد يشرق صباح يوم الجمعة يوم الخامس والعشرين من رمضان عام ستمائة وثمانى وخمسين حتى اشتبك الفريقان، وانقضت قوات المغول كالموج الهائل.

 

على طلائع الجيوش المصرية حتى تحقق نصر خاطف، وتمكنت بالفعل من تشتيت ميسرة الجيش، غير أن السلطان قطز، ثبت كالجبال، وصرخ بأعلى صوته واإسلاماه، فعمت صرخته أرجاء المكان، وتوافدت حوله قواته، وانقضوا على الجيش المغولى الذى فوجئ بهذا الثبات والصبر فى القتال، وهو الذى اعتاد على النصر الخاطف، فانهارت عزائمه، وارتد مذعورا لا يكاد يصدق ما يجرى فى ميدان القتال، وفروا هاربين إلى التلال المجاورة بعد أن رأوا قائدهم كيتوبوقا يسقط صريعا فى أرض المعركة، ولم يكتف المسلمون بهذا النصر، بل تتبعوا الفلول الهاربة من جيش المغول التى تجمعت في بيسان القريبة من عين جالوت، واشتبكوا معها فى لقاء حاسم، واشتدت وطأة القتال، وتأرجح النصر، وعاد السلطان قطز يصيح صيحة عظيمة سمعها معظم جيشه وهو يقول واإسلاماه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى