مقال

العرف في الإسلام

الدكروري يكتب عن العرف في الإسلام
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الرحيم الرحمن، خلق الإنسان، علمه البيان، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، رفع منزلة أهل العلم والإيمان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بعثه في الأميين يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما مزيدا، الذي ناداه ربه عز وجل قائلا “ووضعنا عنك وزرك” أي يا محمد حططنا عنك خطاياك وغسلناك من آثار الذنوب، فأنت مغفور لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، وأنت الآن نقيّ طاهر من كل ذنب وخطيئة، ذنبك مغفور، وسعيك مشكور، وعملك مبرور، وأنت في كل شأن من شؤونك مأجور، فهنيئا لك هذا الغفران، وطوبى لك هذا الفوز، وقرة عين لك هذا الفلاح.

وهو صلي الله عليه وسلم الذي ناداه ربه عز وجل قائلا ” الذي أنقض ظهرك ” أي يا محمد أثقل هذا الوزر كاهلك، وأضنى ظهرك حتى كاد ينقضه ويوهنه، فالآن أذهبنا هذا الثقل وأزلنا هذه التبعة، وأعفيناك من هذا الخطب، وأرحناك من هذا الحمل، فاسعد بهذه البشرى، وتقبل هذا العطاء، وافرح بهذا التفضل، فاللهم صلي وسلم وبارك عليك يا سيدي يا رسول الله أما بعد فإن معنى العرف هو كل ما عرفته النفوس مما لا ترده الشريعة، وقيل العرف هو ما عرفه العقلاء بأنه حسن، وأقرهم الشارع عليه وكل ما تكرر من لفظ المعروف في القرآن نحو قوله سبحانه فى سورة النساء ” وعاشروهن بالمعروف” فالمراد به ما يتعارفه الناس في ذلك الوقت من مثل ذلك الأمر، فابتنى الحكم الشرعي على ما كانوا يعتادونه.

ومنها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبه زوجة أبو سفيان ” خذى وبنوك ما يكفيك بالمعروف” ومن ذلك حديث حرام بن محيصة الأنصارى، وهو عن البراء بن عازب أن ناقة البراء دخلت حائطا فأفسدت فيه، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم على أهل الحيطان حفظها بالنهار، وعلى أهل المواشي حفظها بالليل” رواه أبو داود، وهو أدل شيء على اعتبار العادة في الأحكام الشرعية إذ بنى النبي صلى الله عليه وسلم التضمين على ما جرت به العادة، وضابطه كل فعل رتب عليه الحكم، ولا ضابط له في الشرع ولا في اللغة، كإحياء الموات، والحرز في السرقة، والأكل من بيت الصديق، وما يُعد قبضا وإيداعا وإعطاء وهدية وغصبا، والمعروف في المعاشرة وانتفاع المستأجر بما جرت به العادة، وأمثال هذه كثيرة لا تنحصر.

فالقاعدة الشرعية تقول العادة محكمة وهي من القواعد الخمس الكبرى المتفق عليها، والتي قيل فيها إن جميع مسائل الفقه الإسلامي ترجع إليها، ويذكر العلامة السيوطي أهمية الرجوع إلى العرف والعادة في معرفة الأحكام الشرعية المناسبة للواقع، فيقول منبها على كثير من الفروع الفقهية التي تبنى على ذلك اعلم أن اعتبار العادة والعرف، رجع إليه فى الفقه في مسائل لا تعد كثرة، فمن ذلك سن الحيض، والبلوغ، والإنزال، وأقل الحيض، والنفاس، والطهر وغالبها وأكثرها، وضابط القلة والكثرة في الضّبة، والأفعال المنافية للصلاة، والنجاسات المعفو عن قليلها، وطول الزمان وقصره في موالاة الوضوء في وجه، والبناء على الصلاة في الجمع، والخطبة، والجمعة، وبين الإيجاب والقبول، والسلام ورده.

والتأخير المانع من الرد بالعيب، وفي الشرب وسقي الدواب من الجداول والأنهار المملوكة إقامة له مقام الإذن اللفظي، وتناول الثمار الساقطة، وفي إحراز المال المسروق، وفي المعاطاة على ما اختاره النووي، وفي عمل الصناع على ما استحسنه الرافعي، وفي وجوب السرج والإكاف في استئجار دابة للركوب، والحبر، والخيط، والكحل على من جرت العادة بكونها عليه، وفي الاستيلاء في الغصب، وفي رد ظرف الهدية وعدمه، وفي وزن أو كيل ما جهل حاله في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الأصح أنه يراعى فيه عادة بلد البيع، وفي إرسال المواشي نهارا وحفظها ليلا، ولو اطردت عادة بلد بعكس ذلك، اعتبرت العادة في الأصح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى