مقال

من البئر إلي السوق

جريده الاضواء

الدكروري يكتب عن من البئر إلي السوق
بقلم / محمــــد الدكروري

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي كان صلى الله عليه وسلم حريصاً على أن ينقذ الناس من النار، ومن رحمته صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قتل النساء والصبيان، فكان النبي صلى الله عليه وسلم رحيما حتى مع أعدائه فلا يسعى للإنتقام من أحد ولا يحمل في قلبه الكره لأحد وكان يأمر أصحابه بأن يكونوا رحماء فيما بينهم ومع أعدائهم، وكما كان صلى الله عليه وسلم رحيما بالأطفال، وكان صلى الله عليه وسلم يحزن لفقد الأطفال ويصيبه ما يصيب البشر مع كامل الرضا والتسليم والصبر والإحتساب، وكما كان صلى الله عليه وسلم أيضا رحيما بالجمادات.

وكما كان صلى الله عليه وسلم رحيماً بالحيوان فقد نهى صلى الله عليه وسلم أن يتخذ الروح غرضا للرمى بل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان للبهائم عند الذبح، فرحمتة صلى الله شملت العالمين فرحمته عامة وشاملة فقد سعدت به وبميلاده البشرية، فاللهم صلي وسلم وبارك عليك يا سيدي يا رسول الله، أما بعد فهذا هو طفل صغير كان يعيش في كنف أبيه الذي كان يغدق عليه من حبه وحنانه، فاستثار ذلك الحب والحنان إخوته من أبيه عليه، فحقدوا عليه بلا ذنب ارتكبه، ولا تقصير في جانبهم فعله، فأخذوا يتفكرون فيها كيف يتخلصون منه، ثم استقر رأيهم على أن يلقوه في بئر، يلتقطه بعض قاطعي الطريق، واحتالوا على الأب، وأخذوا الطفل البريء، وجردوه من ثوبه، وألقوا به بلا رحمة أو شفقة.

أو مراعاة لدم النسب الذي بينهم في غياهب ذلك البئر، أرادوا إبعاده عن أبيه وأراد الله شأنا آخر، فمكث في ذلك البئر ينتظر الفرج ممن بيده مفاتيح الفرج، وبينما هو في مجلسه ذاك إذا بحبل ودلو يتدلى فتمسك به وصعد، وإذا به بين يدي رجال قساة القلوب فرحوا به لا لأنه إنسان أنقذوه، ولكن لأنه يمكن بيعه في سوق العبيد، وأخذوه وباعوه، وبدأ في رحلة مرهقة متعبة، فمن كيد النساء إلى السجن، حتى مكن الله له بعد ذلك في الأرض، وإذا بأخوته الذين كادوا له أتوه فقراء محتاجين، فلما عرفوه قاموا يعتذرون، فهل انتقم منهم؟ هل عاقبهم على رحلة العناء والتعب التي كبدوه إياها على حرمانه من حنان الأب الذي حرموه إياه؟ فإن هذه الصورة نهديها ناصعة تضيء بنور هذا الخلق العظيم، خلق العفو والصفح والمسامحة.

إلى إخوة من أمة الإسلام، حملهم رحم واحد، ورضعوا من ثدي واحد، وأكلوا من إناء واحد، وضمهم بيت واحد، ثم إذا بينهم قضايا ومحاكم وشرط، وهجر يصل بالأعوام والسنين، يلتقيان على سفرة واحدة في مناسبات مفرحة، أو محزنة، ويأكلان من إناء واحد، ولا يكلم بعضهم بعضا، نسائلهم أين أنتم من كتاب ربكم الذي بين أيديكم يقص عليكم قصة يوسف وإخوته؟ فأصبحنا هذه الأيام لا أمان فيها لأحد، وكثر الهرج وحوادث القتل، وكثرت النوايا السيئة واشتد جمر الأذى وفُتح سوء الظن على مصراعيه إلا من رحم ربي، وإنتشر بين الناس المباهاة بالتفاهات وسفاسف الأمور، وإزدادت السقطات قولا وفعلا وقل الأدب، وانتزعت من القلوب الخشية وانعدمت الرحمة والحياء.

أيام أصبح فيها الوقوف على الزلات أمرا عاديا، وترقب الشماته من القريب قبل الغريب اكثر من العادي، وبات الكون ليل نهار مليئ بما لايسر عينا ولايُطمئن قلبا ولا يرضي أحد، فإنشغل الناس بالناس وتناسوا رب الناس، فصاروا قضاة شرفاء وحكاما بررة، يمدحون من يشاؤون ويذمون من أرادوا، فغابت الطمأنينة وسكن القلق الأرواح بدلا من السكينة والامان، فاللهم إنا نسألك العفو والعافية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى