مقال

صاحب كتاب العالم والمتعلم

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن صاحب كتاب العالم والمتعلم
بقلم / محمـــد الدكـــروري

لقد ثبت عن الإمام أبي حنيفة أنه ألف في علم الكلام كتابي “الفقه الأكبر” و”الفقه الأوسط” وكتاب “العالم والمتعلم” وكتاب “الرسالة” إلى مقاتل بن سليمان صاحب التفسير، وكتاب “الرسالة” إلى عثمان البتي فقيه البصرة، وكتاب “الوصية” وهي وصايا عدة لأصحابه، ولقد ترك الإمام أبو حنيفة عدة رسائل صغيرة في علم الكلام نسبت إليه، وقام بشرحها بعض أئمة المذهب الحنفي، ولقد ذكر ابن نديم في ترجمته لأبي حنيفة والكتب التي صنفها أن له كتاب الفقه الأكبر، وكتاب رسالته إلى البتي، وكتاب العالم والمتعلم، وكتاب الرد على القدرية، وقد اتصف أبو حنيفة بصفات تجعله في الذروة العليا بين العلماء، منها الورع وكثرة العبادة، فقد عُرف عن أبي حنيفة أنه كان ورعا كثير العبادة.

فقال مسعر بن كدام دخلت ذات ليلة المسجد، فرأيت رجلا يصلي فاستحليت قراءته، فقرأ سبعا فقلت يركع، ثم قرأ الثلث ثم النصف، فلم يزل يقرأ القرآن حتى ختمه كله في ركعة، فنظرت فإذا هو أبو حنيفة، وقال يحيى بن نصر ربما ختم أبو حنيفة القرآن في رمضان ستين مرة وقال عبد الله بن المبارك قدمت الكوفة فسألت عن أورع أهلها فقالوا أبو حنيفة، وقال يزيد بن هارون كتبت عن ألف شيخ حملت عنهم العلم، ما رأيت والله فيهم أشد ورعا من أبي حنيفة ولا أحفظ للسانه، ووروى ابن إسحاق السمرقندي عن القاضي أبي يوسف، قال كان أبو حنيفة يختم القرآن كل ليلة في ركعة، وعن يحيى بن عبد الحميد الحماني عن أبيه أنه صحب أبا حنيفة ستة أشهر، قال فما رأيته صلى الغداة إلا بوضوء عشاء الآخرة.

وكان يختم كل ليلة عند السحر، وأما عن الفقه الأكبر، قد نال عناية المتقدمين، وهو رسالة صغيرة طبعت وحدها في بضع ورقات في حيدر آباد في الهند، وله عدة روايات منها رواية حماد بن أبي حنيفة وقد شرحها ملا علي القاري، ورواية أبي مطيع البلخي، وهي معروفة بالفقه الأبسط وشرحها أبو الليث السمرقندي، وعطاء بن علي الجورجاني، وهناك روايات وشروح أخرى، ولقد نسب شرح الفقه الأكبر خطأ إلى أبو منصور الماتريدي، وكما لم يسلم نسبة الشرح للفقه الأكبر إلى بعض الشراح من الشك، فإن نسبة الفقه الأكبر لأبي حنيفة لم تسلم من الشك كذلك، فلقد ذكر الشيخ محمد أبو زهرة أن نسبة الفقه الأكبر لأبي حنيفة موضع نظر عند العلماء، فلم يتفقوا على صحة نسبة هذا الكتاب إليه.

ولم يدع أحد الاتفاق على صحة هذه النسبة، حتى أشد الناس تعصبا له، ويعلل ذلك أنه قد ذكرت مسائل في الفقه الأكبر لم يكن الخوض فيها معروفا في عصر أبي حنيفة ولا العصر الذي سبقه، فلم نجد فيمن قبله ولا من معاصريه من المصادر من تصدى للتفرقة بين الآية والكرامة والاستدراج، مما يدفعنا إلى الظن بأن هذه المسائل قد زيدت في الرسالة في العصور التي خاض العلماء فيها في هذه المسائل، أو أن الرسالة كلها كتبت في العصور المتأخرة متلاقية مع آراء الماتريدية والأشاعرة فيها، وخلاصة ما اشتمل عليه الفقه الأكبر هو بيان أصل التوحيد وما يصح الاعتقاد عليه وذكر عدة قضايا كلامية من غير إيراد أدلة تفصيلية، وهو لم يتعرض للدليل في الفقه الأكبر إلا في موضعين، الأول وهو مشكلة خلق القرآن، والثاني وهو بيان ذكر اليد والوجه والنفس لله تعالى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى